محمد السادس يلوّح بالصرامة في مواجهة تهاون المسؤولين
الملك محمد السادس يدعو إلى إعادة النظر في النموذج التنموي، ويربط في خطابه البرلماني بين تحقيق التنمية وعنصر المحاسبة.
قال العاهل المغربي الملك محمد السادس مساء الجمعة إنّه لن يكون هناك أيّ تهاون مع “التلاعب بمصالح المواطنين”، وإنّ “الوضع اليوم أصبح يفرض المزيد من الصرامة”، وذلك بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان.
وجاء الخطاب الملكي الجديد متناسقا مع خطابات سابقة دأب فيها الملك محمد السادس على رفع الغطاء عن المسؤولين المقصّرين في حلّ القضايا والمشاكل التي تهمّ المواطنين، والتأكيد على أن غالبية هؤلاء المسؤولين لا يعبّرون عن رغبة الدولة في الاستجابة لتطلعات المغاربة وحلّ الأزمات بدل تحميل الناس مسؤولية فشلهم مثلما حدث في التعاطي مع ما جرى في الحسيمة.
ولاحظ عدد من المتابعين للشأن المغربي أنّ الخطاب الموجّه للبرلمانيين والحكومة حمل رسائل صارمة يتوجّب على الجميع أخذها بعين الاعتبار والتعامل معها بجدية أكبر، حيث دعا العاهل المغربي إلى ربط المسؤولية بالمحاسبة.
وأكد الملك محمد السادس “أننا لا نقوم بالنقد من أجل النقد، ونترك الأمور على حالها، بل إننا نعالج الأوضاع ونقوم بصلاحياتنا الدستورية، وإعطاء العبرة لكل من يتحمل تدبير الشأن العام”، مضيفا أننا “لم نتردد يوما في محاسبة من ثبت في حقه التقصير، لكن الوضع أصبح يفرض مزيدا من الصرامة للقطع مع التلاعب مع مصير المواطنين”.
وشدد على “ضرورة التحلي بالموضوعية وتسمية الأمور بمسمياتها دون مجاملة أو تنميق، واعتماد حلول مبتكرة وشجاعة حتى وإن اقتضى الأمر الخروج عن الطرق المعتادة، أو إحداث زلزال سياسي”.
و قد حمل الخطاب الملكي وضوحا كافيا وتوصيفا معبرا، ووضع عددا من الفاعلين في وضع حرج جدا، وأن الحديث الملكي عن إمكانية اللجوء لخيار الزلزال السياسي يتضمن إشارة إلى ضرورة بناء مشهد سياسي جديد على أنقاض مشهد حزبي مترهل لم يستوعب بعد أن المغرب دخل في سياق جديد.
و يتبين أن هناك خيارين إما حصول زلزال سياسي على مستوى الحكومة والبرلمان والإدارة والجماعات الترابية، أو تغيير أسلوب التفاعل مع المطالب الماثلة يوميا بكثير من التجديد في العقلية واستثمار الزمن.
وربط الملك محمد السادس في خطاب الدخول البرلماني بين تحقيق التنمية وعنصر المحاسبة، وهو عنصر محوري في خطابات سابقة، ما يؤكد بأن تلك الخطابات تعبّر عن رؤية استراتيجية لحاضر المغرب ومستقبله تراعي مختلف الأبعاد وخاصة البعد التنموي الاقتصادي.
وقال الملك محمد السادس إنه إذا كان المغرب قد حقق تقدما ملموسا، يشهد به العالم، فإن النموذج التنموي الوطني أصبح اليوم غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحّة والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية.
ويشير محمد ياوحي، أستاذ الاقتصاد والتدبير بجامعة محمد الخامس بالرباط، إلى أن الملك محمد السادس عاد لانتقاد المركزية داعيا إلى تغليب الطابع الجهوي والمحلي على المشروع الاقتصادي والاجتماعي المنشود الذي يهدف إلى تقليل الفوارق الطبقية وتحييد دور الإدارة كحَكَم وراع لمصالح المواطنين بدل دورها السلبي كطرف معطل للتنمية.
واعتبر الملك محمد السادس أن “المغاربة اليوم يحتاجون إلى التنمية المتوازنة والمنصفة التي تضمن الكرامة للجميع وتوفر الدخل وفرص الشغل، وخاصة للشباب، وتساهم في الاطمئنان والاستقرار والاندماج في الحياة المهنية والعائلية والاجتماعية التي يطمح إليها كل مواطن”.
وقال محللون سياسيون مغاربة إن العاهل المغربي، وهو ينتقد قصور النموذج التنموي، يضع أمامه نموذج ما جرى في الحسيمة من احتجاجات، والتي كان موقفه فيها واضحا وقويا بتحميل مسؤولية التقصير للمسؤولين، معلنا انحيازه لمطالب الشباب المحتج.
وأوضح الملك محمد السادس أنه “رغم الجهود المبذولة فإن وضعية شبابنا لا ترضينا ولا ترضيهم، فالعديد منهم يعانون من الإقصاء والبطالة ومن عدم استكمال دراستهم، وأحيانا حتى من الولوج إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية”، وأضاف “كما أن منظومة التربية والتكوين لا تؤدي دورها في التأهيل والإدماج الاجتماعي والاقتصادي للشباب”.
وكان العاهل المغربي قد استقبل في مطلع شهر أكتوبر رئيس المجلس الأعلى للحسابات، وهي هيئة مراقبة المالية العامة بالمملكة، إلى جانب وزيري المالية والداخلية، وطلب من المجلس التقصي خلال عشرة أيام في تأخر إنجاز مشروع لتنمية إقليم الحسيمة كان قد اطّلع عليه في أكتوبر 2015 أي قبل عام من اندلاع الاحتجاجات.
ورصدت الحكومة المغربية حوالي 650 مليون دولار لتنفيذ برنامج الحسيمة منارة المتوسط الذي يشمل إنجاز أكثر من 500 مشروع تنموي بهدف إخراج المنطقة من التهميش والفقر.
وأكد ياوحي أن النموذج الاقتصادي الذي تم تحديثه يجب أن يتوخّى تجاوز نواقص النموذج السابق، ومن أولوياته إدماج القطاع المهيكل الذي يساهم بشكل كبير في خلق فرص الشغل وامتصاص البطالة، بقدر ما يساهم في الناتج الداخلي الإجمالي.
وأضاف أستاذ الاقتصاد والتدبير بجامعة محمد الخامس أن الإكراهات السياسية التي تعرقل النموذج الاجتماعي الجيد تتمثل في قيادات حزبية مغربية انساقت وراء الكسب السياسي والمادي، فضلا عن غياب تصور سياسي واقتصادي واجتماعي لأغلب قياداتها.
من جانبه، أكد بودن أن الخطاب الملكي وضع قضايا ثقيلة على طاولة الفاعل السياسي والمؤسساتي ممّا يؤكد فعلا على أن المغرب يؤسس لمرحلة مطبوعة بالحسم والحزم، وأن التقاط أفكار الخطاب الملكي والعمل عليها أمر حتمي بالنسبة إلى الحكومة والبرلمان والإدارة والمؤسسات المنتخبة.
وأشار إلى أن الخطاب الملكي اعتراف بقوة جيل الشباب وتأثيرهم في المشهدين السياسي والتنموي وجاء معبرا عن تطلعات المواطنين، كما أنه ترجم حجم التدهور في الميدان الاجتماعي والسياسي، ولذلك فالملك من موقعه أعلن رفضه الاستمرار بذات السياسات التي أفرزت الوضع الراهن