الجزائر تلجأ إلى حلول مثيرة للجدل للهروب من شبح الإفلاس

لا تتوانى الجزائر في رمي حبال النجاة من الإفلاس الاقتصادي في جميع الاتجاهات، فبعد الإقرار بحتمية اللجوء للتمويل غير التقليدي، تتجه الحكومة لفتح ملف استغلال الغاز الصخري ومراجعة قانون الوقود وفرض ضريبة على الثروة للمرة الأولى.

 

أعادت الجزائر فتح ملف التنقيب واستغلال الغاز الصخري بجنوب البلاد لمواجهة آثار الأزمة الاقتصادية والاستفادة من عوائده في تنشيط الاقتصاد المحلي الذي بدت عليه علامات الانهيار في السنوات الأخيرة.

وشدد رئيس الوزراء أحمد أويحيى خلال زيارته لمجمع الصناعات البتروكيماوية بمدينة وهران مؤخرا على مسؤولي شركة سوناطراك النفطية الحكومية، على ضرورة إحداث اختراق في هذا الملف لإقناع الأوساط الاقتصادية والمواطنين بجدواه.

وواجه مشروع الغاز الصخري رفضا شعبيا واسعا في عام 2014 بتعلة الإضرار بالبيئة وبالثروات المائية، ما استدعى الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة إلى التدخل وإنهاء الجدل بشكل نهائي.

وفي ظل غياب أرقام رسمية دقيقة عن مخزون الغاز الصخري بالبلاد، فإن دراسات أميركية وضعته في المرتبة الثالثة عالميا، كما توصلت إحصائيات لشركة توتال الفرنسية بعد تنقيبها بمنطقة أدرار في جنوب البلاد إلى وجود كميات هائلة، الأمر الذي أغرى حينها الحكومة.

 

بوزيان مهماه: المشكلة التي تواجهها الحكومة تكمن في ضعف إمكانيات استغلال الثروات
ويوحي خطاب أويحيى بفشل الحكومات السابقة في تنويع الاقتصاد وتحريره من تبعية الريع النفطي، فبالموازاة مع العودة إلى ملف الغاز الصخري، ألمح كذلك إلى النية في مراجعة قانون الوقود خلال الأسابيع القادمة.

وأمام تحدي إقناع الجزائريين بفتح الملف مجددا، فإن المخاوف تبقى قائمة لدى الخبراء، بالنظر إلى الإمكانيات التكنولوجية المتاحة التي تضمن السلامة في مناطق الاستغلال وحجم العوائد في ظل الكلفة العالية لاستخراج الغاز الصخري، مقارنة بأسعار الطاقة في الأسواق الدولية، فضلا عن إمكانيات التسويق أمام المنافسة الشرسة من طرف الروس والقطريين.

ويذهب الخبير بوزيان مهماه عكس مخاوف المتشائمين ويصطف خلف توجهات الحكومة بسبب ما يراه استغلال الثروات المحلية وتطوير إمكانيات الاستخراج بسبب حتمية الاستنجاد بالمقومات المحلية بدل الذهاب إلى الاستدانة من الخارج.

وقال إن “المشكلة التي تواجهها الحكومة تكمن في الشق التكنولوجي وإمكانيات الاستغلال وليس في الثروة بحد ذاتها”.

وذكرت مصادر مطلعة أن الحكومة ستطرح قبل نهاية هذا العام مشروعا لمراجعة قانون الوقود بغرض إضفاء مرونة ضريبية وإدارية للمستثمرين الأجانب لدفعهم إلى العودة إلى الاستثمار في البلاد، بعد عزوف شركات نفطية عالمية عن المشاركة في عروض محلية انتهت بالفشل.

وكانت وزارة الطاقة قد قدمت عرضا دوليا خلال العام 2014 للتنقيب عن النفط في أكثر من 30 منطقة صحراوية، لكن المناقصة فشلت في استقطاب الشركات النفطية نتيجة التعقيدات في قانون الوقود الصادر في 2005.

ويرى مختصون أن الحكومة سترفع في المشروع الجديد الإكراهات الضريبية المفروضة من أجل تحفيز المستثمرين الأجانب على العودة إلى الاستثمار في قطاع الطاقة، ولم يستبعدوا أن تحافظ الدولة في شراكاتها الجديدة على قواعد الاستحواذ المعمول بها حاليا.

وفتح وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل القطاع على الاستثمار الأجنبي وسن قانونا للوقود يسمح بموجبه بتوسيع الاستثمارات الأجنبية قبل أن تتراجع عنه السلطة العام 2005 تحت ضغط الطبقة السياسية.

بشير مصيطفى: مداخيل ضريبة الثروة تعفي الحكومة من خمس الكتلة النقدية المنتظر طبعها
ويتوقع أن يُطرح على البرلمان الخميس مشروع مراجعة لقانون القرض والنقد بحثا عن تزكية برلمانية تتيح للحكومة استخدام خيار التمويل غير التقليدي والذي سيخول في ما بعد البنك المركزي طبع كتل نقدية جديدة لفائدة الخزينة العامة.

وتحرص الحكومة على تمرير المشروع بكل الوسائل في ظل تقلص هامش مناوراتها في مواجهة تداعيات الأزمة النفطية على مداخيل الدولة، لا سيما بعد اعتراف أويحيى بعجز حكومته عن دفع رواتب موظفي القطاع الحكومي والمتقاعدين خلال الأشهر القادمة.

ورغم الانتقادات الشديدة للمشروع من طرف الخبراء، إلا أن أويحيى المسنود بأغلبية برلمانية تتبع أحزاب السلطة متمسك بخيار التمويل غير التقليدي بدل الذهاب إلى الاقتراض من الخارج.

وحاول إقناع مناوئيه بالتحكم في العملية لكي لا تؤثر في التضخم وانهيار قيمة العملة المحلية وتراجع القدرة الشرائية باستحداث لجنة مستقلة تضطلع بمهمة المراقبة والتحكم.

ولا تزال التصريحات الرسمية متضاربة بشأن القيمة الإجمالية للكتلة النقدية التي سيطبعها المركزي، فبينما أكد مدير البنك محمد لوكال أن المسألة تحت الدرس صرح رئيس لجنة المالية بالبرلمان توفيق طورش بأن البنك سيطبع ما يعادل 5 مليارات دولار.

وكان رئيس الوزراء قد حصر الاعتماد على التمويل غير التقليدي بين 3 و5 سنوات، وشدد على أن الكتل النقدية ستذهب لتسديد مستحقات الشركات الخاصة والحكومية، وتغطية عجز الخزينة العامة وتمويل الاستثمارات الحكومية ولن توجه لدفع الرواتب أو خدمات أخرى.

وكشفت مسودة قانون موازنة 2018 عن زيادات جديدة في أسعار الوقود واستحداث ضريبة على الثروة تتراوح بين 1 و3.5 بالمئة للثروات التي تتجاوز نصف مليون دولار، وهي تستهدف نحو 4 ملايين جزائري.

ويقول الوزير السابق للاستشراف والخبير الاقتصادي بشير مصيطفى إن الضريبة المنتظرة ستحقق التوازن في توزيع أعباء الأزمة الاقتصادية بين الجزائريين، وإنها ستحقق مداخيل تعفي الحكومة من خمس الكتلة النقدية المنتظر طبعها من المركزي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: