المغرب لإسبانيا: ما يقع ضمن ‘الحدود الاستعمارية’ لا يمكن أن يستمر

المغرب يؤكد أن ‘علاقاته مع إسبانيا تقوم على مبدأ التمسك بالسيادة، والصداقة والتعاون المشترك، والاحترام المُتبادل، وضمان الأمن والاستقرار في المنطقة’.

أزمة صامتة

صعّد المغرب خطابه السياسي والإعلامي تجاه إسبانيا على خلفية القرارات والإجراءات أحادية الجانب التي لجأت إليها ومنها السعي إلى فرض التأشيرة على المغاربة للدخول إلى مدينتي سبتة ومليلية المُحتلتين.

وهي الخطوة التي جعلت بوادر التوتر السياسي تُحيط بالعلاقات المغربية-الإسبانية التي تعيش منذ مدة حالة من المد والجزر على مختلف الأصعدة.

وجاء هذا التصعيد الجديد على لسان مصطفى الخلفي، الناطق الرسمي باسم الحكومة والوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، المغربي، الذي رد بقوة على تلك الإجراءات الإسبانية التي تزامنت مع الكشف عن تحركات عسكرية إسبانية وُصفت بـ”المريبة” و”الاستفزازية” فوق صخرتي “الصفيحة” قُبالة سواحل مدينة “الحسيمة” المغربية.

وقال الخلفي خلال مؤتمر صُحفي عقده في الرباط ردا على توجه إسبانيا نحو فرض التأشيرة على المغاربة للدخول إلى مدينتي سبتة ومليلية، إن “ما يقع على الحدود الاستعمارية لا يمكن أن يستمر”.

وأكد في المقابل أن المغرب “يعمل وبشكل مستقل على دراسة واعتماد إجراءات لضمان كرامة المغاربة على مستوى مدينتي سبتة ومليلية”، لافتا في هذا السياق إلى أن “ما يقوم به المغرب هو أمر داخلي، ويأتي في إطار وطني وبشكل ذاتي”.

وكان وزير الداخلية الإسباني خوان اغناسيو زويدو قد أشار قبل ذلك إلى احتمال لجوء بلاده إلى فرض التأشيرة على كافة سكان تطوان الراغبين في دخول مدينتي سبتة ومليلية المغربيتين، بحجة تخفيف الضغط عن المعابر الحدودية.
ويبدو أن زويدو سبق له أن ناقش هذه المسألة مع نظيره المغربي عبدالوافي لفتيت خلال زيارته للرباط في نهاية شهر غشت الماضي، وقد اتفقا على تأجيل النظر فيها حتى تسنح الظروف لبلورة اتفاق يرضي البلدين.

غير أن تنصل زويدو من ذلك الاتفاق تحت وطأة التجاذبات السياسية في بلاده، أثار حفيظة المغرب الذي جاءت ردة فعله بتلك العبارات الواضحة والحادة بمعناها السياسي، حيث وصفها مراقبون بـ”القوية والعنيفة”، وذلك في إشارة إلى تأكيدات مصطفى الخلفي على الطابع الاستعماري الإسباني لمدينتي سبتة ومليلية.

وتوقعوا أن تتصاعد حدة الخلافات والتباينات بين الجانبين حول هذه المسألة، خاصة وأن هذا التطور الذي يعكس أحدث حلقة من حلقات التوتر الصامت بين البلدين، تزامن مع تحركات عسكرية إسبانية ميدانية قُبالة سواحل الحسيمة المغربية، وصفتها تقارير إعلامية مغربية بـ”الاستفزازية”.

وكشفت تلك التقارير أن أهالي مدينة الحسيمة لاحظوا تحركات “مُريبة واستفزازية لأفراد القوات العسكرية الإسبانية التي تحتل جزر “النكور” بساحل الحسيمة. وأشارت إلى أن العشرات من الجنود الإسبان شوهدوا في تحركات غير مسبوقة عبر الجزيرتين المُحتلتين “لاتييرا” و”مار”، ما فتح الباب أمام تأويلات متعددة.

ورأى البعض أنها تتعلق بإعادة انتشار قوات الاحتلال الإسباني بين الجزيرتين، فيما ذهب البعض الآخر إلى القول إنها تتعلق بنقل الجنود الإسبان لمعدات بناء لتشييد أبراج مراقبة على الجزيرتين.

وأثارت تلك التحركات التي ترافقت مع حركة كبيرة للقوارب المطاطية العسكرية الإسبانية على طول المسافة البحرية الفاصلة بين الجزيرتين المُحتلتين، استنكار أهالي مدينة الحسيمة الذين رأوا فيها سلوكا استفزازيا خاصة وأن الجزيرتين المعنيتين ظلتا وقتا طويلا خارج دائرة اهتمام السلطات الإسبانية.

ولم تُعلن السلطات الإسبانية عن هذه التحركات، كما لم تُقدم توضيحات حول أهدافها في الجزيرتين اللتين تحتلهما إسبانيا منذ العام 1559، واللتين تنص الأعراف بين البلدين على الحفاظ على الوضع القائم فيهما دون تغيير.

ودفع هذا الغموض الإسباني نحو عودة الحديث حول وجود أزمة سياسية صامتة بين المغرب وإسبانيا، رأى محمد بن حمو رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية أنها لا تخرج عن سياق حالة المد والجزر التي تطبع العلاقات بين البلدين منذ عقود.

ولكنه قلل من تداعيات هذه التطورات على العلاقات المغربية-الإسبانية، وقال لـ”العرب” إن العلاقات بين البلدين تتميز بنوع من الاستقرار والهدوء الذي لا يُلغي وجود ملفات عالقة بين البلدين، أبرزها ملف سبتة ومليلية.

واعتبر أن موقف المغرب الذي عبّر عنه مصطفى الخلفي ليس موقفا تصعيديا، وإنما هو سعى إلى وضع النقاط على الحروف، بمعنى أنه أكد أن المغرب ليس في وارد التخلي عن مصالحه وحقوقه.

وتابع قائلا “إن المغرب يؤكد بذلك الموقف أن علاقاته مع إسبانيا تقوم على مبدأ التمسك بالسيادة، والصداقة والتعاون المشترك، والاحترام المُتبادل، وضمان الأمن والاستقرار في المنطقة”.

غير أنه في المقابل حذّر من وجود بعض الأطراف الإسبانية التي تسعى إلى تعكير صفو العلاقات مع المغرب، ومحاولة إخراجها عن السكة الإيجابية، قائلا إن “هناك داخل إسبانيا من لا يتوقف عن الاصطياد في المياه العكرة، عبر افتعال الخلافات والدفع بالعلاقات بين البلدين إلى دائرة التأزم”.

ودعا إلى التمسك بعلاقات حسن الجوار البنّاء، والشراكة الإستراتيجية بين المغرب وإسبانيا وتعزيزها لتشمل مختلف المجالات، إلى جانب العمل على حمايتها من أي مناورات للتشويش عليها، ذلك أن العلاقات بين البلدين تحكمها مصالح اقتصادية كبيرة، وحسابات سياسية دقيقة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: