انقسامات دولية بسبب أزمة الروهينغا.. التخاذل الدولي ليس جديدا
* أعلنت الأمم المتحدة عن افتتاح الدورة الـ72 للجمعية العامة، فيما ستكون المناقشة العامة يوم 19 شتنبر وتستمر إلى غاية 25 سبتمبر بحضور رؤساء الدول والحكومات وغيرهم من كبار المسؤولين لعرض آرائهم بشأن القضايا العالمية الملحة. يأتي ذلك في خضم التركيز الدولي على ما يجري في بورما (ميانمار) مما أطلقت عليه الأمم المتحدة “نموذج كلاسيكي للتطهير العرقي” وسط دوامة عنف مشتعلة. لكن لا يتوقع المراقبون أن تخرج الأمم المتحدة، والمجتمع الدولي عموما، عن نطاق التنديد والتعبير عن “القلق الشديد”، مخاطران بمنح الجماعات المتشددة فرصة لتحويل المنطقة إلى نقطة استقطاب العدد ،
الهرب من مأزق إلى آخر
برزت انقسامات دولية عشية اجتماع لمجلس الأمن الدولي (الثلاثاء 12 شتنبر 2017) بشأن أزمة الروهينغا المتفاقمة في بورما (ميانمار)، مع إعلان الصين مساندتها للعملية العسكرية التي انتقدتها واشنطن فيما وصفتها الأمم المتحدة بأنها “تطهير عرقي” وأجبرت 370 ألفا من أبناء هذه الأقلية على النزوح إلى بنغلادش المجاورة.
يبدو أن التدخل الصيني يهدف إلى قطع الطريق على أي محاولة لفرض عقوبات على بورما في مجلس الأمن الذي يجتمع الأربعاء (13 شتنبر 2017)؛ لكن وبغض النظر عن الموقف الصيني المستمد من علاقة الصين السياسية والتجارية ببورما، لا يعد مثل هذا الانقسام أمرا جديدا على المجتمع الدولي الذي ظل صامتا لمدة سنوات على ما يجري ضد مسلمي الروهينغا.
تكشف أزمة بورما عن معضلة عميقة يتخبط فيها المجتمع الدولي الذي ينادي من جهة بالقضاء على أسباب التطرف والإرهاب والمشاعر المعادية للآخر، لكنه يقف مكتوف الأيدي إزاء إخماد الصراعات الطائفية والعرقية المغذية للإرهاب الدولي.
وللمجتمع الدولي تاريخ طويل من التخاذل والتقاعس المتعمد أحيانا، ما تسبب في مناسبات عديدة في أن تأخذ مذابح وأعمال عنف ضد أقليات دينية وعرقية منحى أكثر مأساوية. واليوم يخاطر العالم بموقفه المتقاعس مما يحدث في أرض ميانمار بصناعة مأساة جديدة في وقت لا تزال ذكرى سربرينتشا ومذابح رواندا تلطخ سمعة المنتظم الأممي.
استثمار الأزمة
لا يخاطر المجتمع الدولي بموقفه المتردد بتوسيع نطاق الأزمة في شرق آسيا فحسب وإنما أيضا بمنح الجماعات المتحفزة للعمل المسلح استثمار الأزمة وتحويل المنطقة إلى نقطة استقطاب جديدة عالميا على الحدود بين بنغلاديش وبورما، وفي عمق بنغلاديش، البلد الذي يترنح أصلا في حربه ضد الإرهاب.
ولا يخفى وراء ذلك النفوذ المتزايد لتنظيم القاعدة وتنظيم داعش الطامح إلى تثبيت قدم له في بنغلاديش وشرق آسيا عموما، وهي من الوجهات المرشحة لأن تكون بديلا لمنطقة الشرق الأوسط مع انحسار نفوذ داعش هناك.
لكن المخاوف تنبعث من دول المنطقة أيضا، فحتى وقت قريب نجحت إندونيسيا أكبر بلد مسلم في العالم والقوة الإقليمية في تحجيم أنشطة جماعات متشددة مثل جماعة “الحسبة” وأخرى تجاهر باستلهامها أساليب الدولة الإسلامية. ولا تبدو جاكرتا اليوم راضية عما يحاك حاليا من تهجير وقمع لأقلية الروهينغا بجانب المخاطر التي قد تؤدي إلى تأجيج المشاعر الانتقامية وإلى خروج المتشددين من القمقم. كما تنظر الفلبين بقلق بالغ إلى ما يحصل في راخين، أو أراكان كما يسميها مسلمو الروهينغا، وهو يكاد يكون نسخة من ذات القلاقل التي حصلت سابقا في جنوب البلاد مع الأغلبية المسلمة بجزيرة مندناو تحت إدارة جماعة أبي سياف.