الاستثمار الذكي في الهجرة: ماذا لو فتحت كل الدول حدودها
شهدت أوروبا زيادة في شعبية الحركات القومية والشعبوية لأسباب تأتي على رأسها أزمة الهجرة. وفي ظل صعود هذه الحركات رفعت الحواجز أمام المهاجرين واللاجئين وسيطر القلق على المسؤولين الغربيين في تعاملهم مع هذه الأزمة بدرجة زادت في تعقيدها عوض حلها، كما غطى هذا الخوف، الذي اقترن بتصاعد العمليات الإرهابية وتزايد أعداد “الخائفين” على الهوية المسيحية لأوروبا وهوية المجتمعات الغربية، على ما يمكن أن تحققه الهجرة من مزايا ومكاسب للدول المستقبلة إذا ما تم التعامل معها بعقلانية ودون ضغوط شعبوية.
شن رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، هجوما جديدا على خطة للاتحاد الأوروبي لإعادة توزيع الآلاف من المهاجرين بين دول التكتل. واعتبر أن إجبار بلاده على المشاركة في الخطة يقترب من حد “العنف”. وأضاف الزعيم الشعبوي منتقدا بلهجة حادة القوى الأوروبية “ليس لنا ماض استعماري لتسديد فاتورته”.
وقال إن “هذه الدول الرئيسية الأعضاء في الاتحاد تحوّلت إلى بلدان هجرة بسبب الواجبات الناتجة عن إرثها الاستعماري”. ويشاطر عدد كبير من الأوروبيين، وأيضا الأميركيين والكنديين والأستراليين، هذه الرؤية “الرجعية”، بمقاييس حقوق الإنسان وشروط العولمة واتفاقات التجارة الحر، والتي اكتسحت العالم مع تصاعد موجات من اللاجئين والهجرة غير الشرعية.
لا شكّ في أن الملايين من اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين يشكلون مصدر قلق أمني واجتماعي وسياسي، للدول الغربية التي تعاني بدورها من وضع اقتصادي متذبذب وتشهد نسبة بطالة مرتفعة واحتقان اجتماعي، وهي معرّضة بشكل كبير للتهديدات الإرهابيين. ولا خلاف في أن البعض من الإرهابيين استغلوا تدفقات المهاجرين ليتسللوا بينهم إلى دول أوروبية وتنفيذ هجمات إرهابية.
لكن، لهذه الصورة السوداوية وجه آخر مفيد، لم ينتبه إليه القادة الغربيون وهم منغمسون في البحث عن حلول لأزمة الهجرة إما عن طريق سياسات ومواقف متطرفة على غرار مواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقادة الأحزاب الشعوبية واليمين المتطرف في أوروبا واستراليا، أو عن طريق ابتزاز الدول وإغرائها بالدعم والمساعدات من أجل أن تتولى هي استقبال اللاجئين، وأن تكون جدار صد يقف في وجه الحالمين بالعبور إلى “الجنة” الأوروبية أو الأميركية.
يكشف عن هذا الوجه مايكل كليمنس، الخبير الاقتصادي في مركز التنمية العالمية، وهو مجموعة بحث مقرها واشنطن تهتم بمواجهة الفقر. تبدو مقاربة كليمنس، التي نشرتها مجلة الإيكونومسيت، مثيرة للاهتمام، حين يشبه اتجاه الدول العالمية نحو تبني سياسات رافضة للمهاجرين بالمئات من ملايين الدولارات الملقاة على الأرض، دون أن يستغلها أو ينظر إليها أحد.
في غمرة الضوضاء التي يحدثها الشعبويون ووسط ضجيج المظاهرات المعادية للمهاجرين والمطالبة بتشديد قوانين استقبالهم، تأتي مقاربة الخبير الأميركي لتضعنا أمام مجموعة من التساؤلات: ما هي المكاسب التي يمكن أن يجنيها العالم كله إذا ما فتحت دوله أبوابها للمهاجرين؟ هل سيبقى رئيس وزراء المجر على موقفه الرافض لهم إذا ما عرف فوائد الحدود المفتوحة؟ كيف يمكن لهذه السياسة أن تجعل العالم أغنى؟