الجزائر ورفض الانتخابات المبكرة
هذا النوع من العمل الفردي المتشظي هو الذي جعل المؤسسة العسكرية تدير الظهر لدعوات سابقة ولمثل هذه الدعوة التي وجهها لها الوزير السابق نورالدين بوكروح
يمكن النظر إلى الدعوات المتكررة السابقة إلى تفعيل البند 102 من الدستور الجزائري، التي طالبت بها أحزاب المعارضة الجزائرية وبعض الشخصيات الوطنية بالإعلان عن شغور منصب رئيس الجمهورية وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة على أساس الشفافية والتعددية السياسية، بأنها دليل على استفحال مجموعة من الظواهر السلبية في المشهد السياسي الجزائري وفي المقدمة تفكَك وازع الثقة في طبيعة النظام الحاكم، وتدهور أخلاقيات العمل السياسي من جهة، والإقرار من جهة أخرى بفشل مشروع التعددية الحزبية الجزائرية التي لم تفض حتى الآن سوى إلى تكريس حكم الرجل الواحد والتسيير الشللي لشؤون الدولة.
وهكذا تمثل الدعوة الجديدة التي تقدم بها هذا الأسبوع مؤسس حزب التجديد الجزائري نورالدين بوكروح والمرشح السابق لمنصب رئيس الجمهورية، والتي دعا فيها إلى تطبيق المادة 102 من الدستور التي بموجبها يتم الإعلان الرسمي عن شغور منصب رئيس الجمهورية وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، محاولة أخرى لتحريك ركود الحياة السياسية الجزائرية المصابة بالشلل العام. وقد برر بوكروح دعوته بمواصلة الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة الغياب عن ممارسة النشاط السياسي الفاعل في الفضاء الوطني وفي الساحة الدولية، وذلك جراء مرضه الذي ألم به منذ عدة سنوات.
ردا على دعوة بوكروح فقد هب الممثلون التقليديون والنمطيون لواجهة النظام الجزائري الحاكم، وفي الصدارة الوزير الأول أحمد أويحيى، ورئيس البرلمان السعيد بوحجة، ورئيس مجلس الأمة عبدالقادر بن صالح، والأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس حيث دافعوا جميعا عن الرئيس بوتفليقة ووجوده الشرعي الدستوري في منصب الرئاسة بقصر المرادية.
في هذا الخصوص قال ولد عباس، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الأسبوع الماضي، إن الرئيس “بوتفليقة يستمد قوته من الشعب وليس من الصالونات”، وهو يقلل بهذا التعبير من شأن مصداقية المعارضة الجزائرية التي لم تقدر إلى يومنا هذا أن تبني لنفسها قواعد شعبية صلبة في أعماق المجتمع الجزائري.
وزيادة على هذا فإنه يلاحظ أن هؤلاء الممثلين للنظام الجزائري قد أجمعوا على إصدار أحكام قيمة مسبقة غير صحيحة مثل اعتبار هذا النوع من الدعوات المتضمنة لمطلب إعلان شغور منصب رئيس الدولة بأنه تحريف للعملية السياسية برمتها وأنه إخلال باستقرار البلد، واستهداف للشرعية الدستورية.
من الواضح هنا هو أن بوكروح قد أراد من خلال دعوته للجيش الوطني الشعبي إلى التدخل، للإعلان عن شغور منصب رئيس الدولة، أن يبرز أن تحركه السياسي ليس مجرد نزوة مزاجية فردية، بل إن هدفه هو الإيحاء لوسائل الإعلام الوطنية التي نشرت تصريحاته، وبالتالي للرأي العام الشعبي الجزائري، بأن جهة ما ذات اعتبار داخل مؤسسة الجيش تتعاطف مع هذا المطلب وتريده أيضا.
وفي الحقيقة فإن اكتفاء ممثلي النظام الحاكم المذكورين أعلاه بالرد في وسائل الإعلام على بوكروح، وبعيدا عن أي صدام مادي معه، هو محاولة منهم للظهور بمظهر ديمقراطي من جهة، ومن جهة أخرى فإن هؤلاء يعرفون جيدا أن بوكروح لا يملك أي عمق شعبي قادر على تحريك الجماهير على مستوى الجزائر العميقة، فضلا عن معرفتهم له كصاحب مواقف متأرجحة حيث كان قد سبق له أن قبل بالنظام الحاكم في الماضي القريب وعمل في أجهزته كمسؤول كبير ثم كوزير لعدة مرات؟
في هذا السياق ينبغي تسجيل ملاحظة أخرى وهي أن تصدي ممثلي النظام الجزائري بشكل جماعي منسق ومتزامن لدعوة نورالدين بوكروح بالشجب والرفض قد كرس عنصرين قديمين جديدين ومتناقضين وهما: وحدة مواقف التشكيلات المكونة لقطب النظام الحاكم، وتشظي المعارضة إلى ملل ونحل لا تجمعها قضية أو منهج عمل، والدليل على ذلك هو هذا السكوت الكامل النمطي لأحزاب المعارضة الجزائرية الكبرى في مختلف المناسبات الأمر الذي جعل تحرك هذا الفرد المعارض أو ذاك الحزب المناقض للنظام السلطوي مجرد ظاهرة فردية معزولة لا علاقة عضوية لها بأطر العمل الجماعي المؤثر. وهكذا ندرك أن هذا النوع من العمل الفردي المتشظي هو الذي جعل المؤسسة العسكرية تدير الظهر لدعوات سابقة ولمثل هذه الدعوة التي وجهها لها الوزير السابق نورالدين بوكروح.