هكذا الشرق الأوسط

الحقيقة المؤلمة خاصة في السنوات والعقود الأخيرة، جعلتنا عربيا في واحدة من أبرز ظواهر “الكسوف” التي تتضح تجلياتها في مشاهد الشيزوفرينيا المتشظية في غالبية عواصمنا القلقة.

سَألَ صاحبه: كيف حال الأوضاع في الشرق الأوسط؟ ‏‏أجابَ الأخير: مثل مشهد صلاة الجمعة في السجن.. ‏‏الإمامُ قاتلٌ قديم ينتظر الإعدام، ‏والمؤذنُ نصَّابٌ محترف محكوم بـ«المؤبد»، ‏والمصلُّون «محتالون » بالفطرة يبحثون عن عفوٍ بانقضاء ثلثي المدَّة، ‏والكلُّ يطلقون لحاهُم ويدَّعُون الإيمانَ والتقوى!

ورغم أن أحدا منهم لم يسأل نفسه: طالما كانوا بهذا النقاءِ والورَع.. فما الذي أتى بهم جميعاً إلى هنا؟ إلا أن التوصيف أعلاه لم يصدمني.

الحقيقة المؤلمة خاصة في السنوات والعقود الأخيرة، جعلتنا عربيا في واحدة من أبرز ظواهر “الكسوف” التي تتضح تجلياتها في مشاهد الشيزوفرينيا المتشظية في غالبية عواصمنا القلقة، والتي انتابتها لوثة عقلية تمَّ فيها اختطاف الدين والدعوة، ناقلة المعركة الوهمية من مزاعم صراع الحضارات، كما روَّج «نظريا» لها المفكر الأميركي صمويل هنتنغتون، إلى مضارب مَصَارع السيوف «عمليا» كما فعلها أبوبكر البغدادي!

هذا «الكسوف» جعلنا في الأغلب الأعمّ، نُهرول في مهرجان «التنصُّل» مما يحدث على أيدي عصابات خطف الدين واحتكاره، بعد أن وقعنا جميعا في هوَّة «الخسوف» الذي لم يستثنِ أحدا، من صراع الأديان الموجَّه ضد الآخر ولو كان شريكا في الوطن، مرورا بصراع المذاهب، إلى حدّ الاقتتال حتى داخل المذهب الواحد.

للأسف.. إنه الشرق الأوسط.

في كتابها الذي أصدرته، عام 1985، تحت عنوان «ضفادع وعقارب»، قالت الصحافية الأميركية دورين كايز، رئيسة مكتب شبكة تلفزيون (إيه. بي. سي) الأميركية في القاهرة وقتها، إن عقربا حاول عبور نهر الأردن، ولأنه يخشى الغرق، فقد توسّل إلى ضفدعٍ كان على الشط، بأن يحمله على ظهره للعبور إلى الضفة الأخرى.

الضفدع قال إنه لا يأمن أن يلدغه العقرب، فأقسم الأخير بأن لن يفعل، ليصدِّق المسكين ويحمل العقرب على ظهره حتى اجتاز النهر، وما إن وصلا، حتى غلب الطَّبعُ التطبُّع، ونفث العقرب سمومه، وبينما يلفظ الضفدع أنفاسه الأخيرة نظرَ مُعاتباً، فالتفت العقرب إليه ضاحكا: إنه الشرق الأوسط يا عزيزي!

للأسف أيضا..

يبقى الحَالُ على ما هو عليه، وعلى المتضرِّر اللجوء إلى «القضاءِ» و«القَدَر»، فيما تبقى شعوبنا العربية من المحيط إلى الخليج، تمارس عاداتها «السرِّية» وصرخاتها «الحنجرية».. تتأرجح في حفلات «الزَّار» ، بحثا عن إحدى الكرامات.

وفي كل الأحوال.. تبقى شعوبنا مثل ذلك الرجل الأعرج، الذي يجري وراء رجل أعمى.. يناديان سويا على شخص آخر تماما.. لا يسمع!

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: