مرارة النسيان تتبخر في مراكز رعاية المسنين بالمغرب
المسنون يقبلون على ممارسة أنشطة ترفيهية متعددة مثل لعب الورق والشطرنج، ومشروع قانون جديد يرتبط بتطوير مؤسسات الرعاية الاجتماعية.
نظرات تتوه أحيانا في تفاصيل مبنى مركز المسنّين بمدينة بوقنادل قرب العاصمة المغربية الرباط، تتخللها ضحكات هادئة لسيّدة تستحضر سنوات شبابها الأوّل، قبل أن يقاطعها مسنّ كان ينصت إليها بانتباه مستفسرا عن بعض ما قالته.
مجموعة من المسنين المغاربة جمعهم المركز بعد أن لفظتهم أسرهم، لتتقاطع في ذلك المكان حكاياتهم، ويلتقي حاضر يصروّن على أن يكون مفعما بأمل يتجاوز مرارة نسيانهم من قبل أهلهم وذويهم.
محجوب، واحد من هؤلاء المسنين الذين وجدوا أنفسهم في دور الرعاية… نهاية يحاول الرجل قدر المستطاع تخليصها من طابعها “التراجيدي”، كما يقول، واستثمار وقته في القيام بأي عمل.
محجوب قال إنه ترعرع في المدينة القديمة لسلا المحاذية لمدينة الرباط، قبل أن تتخلّى عنه عائلته وأصدقاؤه.
وبما أنه من الصعب على رجل في سنّه مواجهة الشارع، فقد فضّل التوجّه إلى مركز بوقنادل، بحثا عن دفء فقده منذ فترة، مع أنه لم يكن من الهيّن عليه استيعاب ذلك التحوّل الجذري في حياته.
فمن حياته وسط العائلة إلى أخرى داخل المركز، تنساب تفاصيل كثيرة يروي محجوب البعض منها، ويحتفظ بالبعض الآخر لنفسه.
وهنا، في هذا المركز، قال محجوب إنه وجد عائلة تضم جميع المسنين القاطنين معه، لكنه مازال يفتقد “الدفء الأسري”.
ومع أنّ محجوب يجد صعوبة في تقبّل وضعه الجديد، إلا أنه يحاول التأقلم معه، وقضاء وقته في ممارسة هوايته المفضلة، ألا وهي صناعة الحصر التقليدية، باستخدام نبتة تسمى “السمار”.
ويقول “هذه حرفة أجدادي”، “تعلمتها في المدينة العتيقة لسلا، وحتى اليوم، مازلت أذكر جميع من بذلوا جهودا مع والدي للعناية بهذه الصناعة التقليدية، حتى أنّ هناك من بين أبنائهم من هم اليوم وزراء”.
ولفت محجوب إلى أنه لقي كلّ الدعم من إدارة مركز الرعاية الذي يقيم فيه، في ما يتعلق بممارسة مهنته التي ورثها أبا عن جدّ.
يوم المسنين بالمركز يمر سريعا في حال اختاروا قضاءه في ممارسة أنشطة متعددة، مثل لعب الورق و”الضامة” (شبيهة بلعبة الشطرنج).
منهم أيضا من يقضيه في ورشة الصناعات التقليدية، كما هو الشأن بالنسبة لمحجوب العاشق لصنع الحصر.
أما فطومة، فتفضل قضاء يومها في قاعة التلفزيون، رفقة عدد من المسنين ذكورا وإناثا، حيث تتجاذب معهم أطراف الحديث، وتستمع إلى قصصهم ومحطات حياتهم الفارقة.
ومع أن العديد منهم كان يكرر نفس الحكايات في كل مرة، إلا أن ذلك الجمع الصغير كان ينصت بنفس الإهتمام، وقد يطرح وأن يطرح نفس الأسئلة.. لم يكن فحوى الرواية ما يهمهم فعلا، بقدر ما كانوا يتطلعون إلى أي كلام يحوّل اهتمامهم عن واقعهم أو حكاياتهم الخاصة.
كانت أصواتهم تتعالى حينا وتخفت أحيانا، والخطوط العريضة المرتسمة بوضوح على ملامحهم، إضافة إلى أجسامهم النحيلة، جميعها تستعرض بوضوح محطات حياتهم الفارقة، وتشي بمقدار الأمل الكامن داخلهم، وفق شهادات البعض منهم.
وتقول فطومة “بهذه الطريقة فقط يمكننا قضاء يومنا بالمركز دون ملل”،وتضيف”نتجاذب أطراف الحديث، ويحكي الواحد منا للآخر عن مراحل مشرقة من حياته، وأيضا عن معاناته ومآسيه التي لا تنسى بوضعه في مركز المسنّين”.
رغم الألم المرتسم في كلمات المسنين، إلا أن كلماتهم بدت ملئية بالإصرار على تحدّي واقعهم عبر التسلّح بالأمل وبإرادة قوية منحتهم شحنة هائلة لمواجهة معضلة الحياة في مكان جديد ومع أشخاص جدد.
العشير، مسنّ مغربي في الثمانين من عمره، ينتظر آذان المغرب لأداء الصلاة.
بدا العشير متفائلا رغم كل شيء. “(على ) الإنسان أن يملأ قلبه بالله، وسيكون مصيره خيرا بإذن الله، ومادام لنا بيت يأوينا ونجد ما نأكله، فهذا فضل من عنده عز وجل”.
ووفق أرقام رسمية، تضمّ المغرب 62 مؤسسة لحماية واستقبال المسنين، تشرف على تسييرها جمعيات المجتمع المدني.
وتستهدف تلك المؤسسات 5 آلاف و29 مسنا، أكثر من ألفين و600 منهم من النساء، وتشغّل نحو 620 شخصا أغلبهم من كوادر منظمات المجتمع المدني.
وتأسس مركز رعاية المسنين بمدينة بوقنادل المغربية في 2013، على يد “فيدرالية الوكالات الدولية للتنمية” ومقرها العاصمة الفرنسية باريس، وتنشط في أكثر من 30 بلدا حول العالم.
ويحظى المركز،الذي يأوي 32 مسنّا، بدعم من “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية” (برنامج مغربي لمحاربة الفقر)، وأيضا من “مؤسسة التعاون الوطني” (حكومية).
وتبذل إدارة المركز جهودا في التخفيف عن المسنين، حيث تدعم أنشطتهم، وتتقاسمها معهم.
وقال مدير المركز، مصطفى الهلالي: “نحرص على تناول الطعام معهم كأسرة واحدة، بهدف توفير الأجواء التي اعتادت عليها الأسر المغربية”.
وأضاف: “لدينا برنامج موحد للأكل يراعي الحمية (نظام التغذية) التي يوصي بها الطاقم الطبي، لكن أحيانا نعمل على تلبية رغبات النزلاء”.
وتابع: “لدينا 32 مسنا ومسنة نعتقد أن مكانهم الطبيعي هي أسرهم، لكن هناك حالات مكانها الطبيعي هو المركز، وبكل تأكيد الوضع هنا أحسن من الشارع”.
ووفق الهلالي، فإن المركز “يبذل جهودا لتوفير أجواء عائلية تكسر حدة الملل، منها إقامة أنشطة ترفيهية موازية، وأيضا اعتماد إمام يصلي التراويح (في شهر رمضان من كل عام) داخل المركز”.
أما على الصعيد الوطني، أكّد ممثل فيدرالية الوكالات الدولية للتعاون بالمغرب، عبدالباسط قصباوي، بذل “جهود ترمي لتحسين وضعية هذه الفئة من المواطنين”.
وطالب قصباوي بـ”تخصيص منحة مالية قارة وغير مرتبطة بمشاريع سنوية، تستفيد منها مختلف مراكز رعاية المسنين المغربية”.
وفي يونيو/حزيران، قدمت، وزيرة الأسرة والتضامن المغربية، بسيمة الحقاوي، لبرلمان بلادها، مشروع قانون يتعلق بتطوير مؤسسات الرعاية الاجتماعية. ويهدف مشروع القانون إلى تطوير التكفل بالغير، عبر استحضار الحاجة المجتمعية لأنماط جديدة للتكفل.
وخصصت الحكومة المغربية مبلغ 28 مليون درهم ما بين 2014 و2016 لتأهيل مؤسسات الرعاية الاجتماعية للمسنين.
وبحسب مندوبية التخطيط، مؤسسة الإحصاء الرسمية بالمغرب، أظهرت نتائج التعداد العام للسكان لعام 2014، أنّ ظاهرة شيخوخة السكان “في ارتفاع مستمر”.