وراء كل حوات في المغرب ” بري باري”
على إيقاع تسارع الحياة في المدن، ظهرت مهن جديدة كانت تقوم بها في السابق ربات البيوت، لكنهن اليوم أصبحن يعملن ولا وقت لديهن للشؤون الشاقة في البيت، بل أنهن لا يتقن هذه الأعمال المنزلية ولم يتعلمنها لأنهن كنّ منشغلات بالدراسة، فتنظيف السمك مثلا أصبح مهنة في الأسواق يقوم بها الرجال مقابل أجر زهيد تدفعه ربات البيوت لأنه يعفيهن من عمل شاق يأخذ الوقت والجهد.
المغرب من البلدان العربية القليلة التي يبتكر فيها الشباب مهنا تساهم في توفير مورد رزق للكثيرين منهم، خاصة أولئك الذين لم يجدوا عملا في القطاع العام والخاص، رغم أن معظم هؤلاء من الحاصلين على تعليم ثانوي وجامعي، فهم لا يخجلون من العمل في الكثير من الأعمال المؤقتة. أعمال لا يستطيع أمثالهم في بلدان أخرى القيام بها، وهي في غير اختصاصاتهم التي درسوها ونالوا فيها شهادات.
وما أن تضع قدميك في أحد الأسواق الشعبية بمدينة الرباط ، القنيطرة أو الدار البيضاء وسائر المدن الأخرى، إلا وتجد الكثير من هذه المهن المؤقتة.
بسطة على الأرض، وشاب متعلم يسمى “الحوّات” يبيع السمك بمختلف أحجامه وأنواعه وبجواره شاب آخر يسمى البري باري، وتعني التسمية منقي الحوت ومنظفه، وقد تم أخذها من اللغة البرتغالية.
الشناقة وراء غلاء الأسعار
الحوّات هو مقصد الكثير من الزبائن المغاربة الذين لا يتنازلون عن وجبة السمك مهما كانت حالتهم الإجتماعية، فلذلك تجد من يساوم بائع السمك على الأسعار المشطة حسب رأيهم، وفي كثير من الأحوال يخفض السعر لهم بعد مداولة قصيرة، معتذرا لهم عن السعر الجديد، الذي يعزوه إلى مضاربات سوق الأسماك ودور “الشناقة ” أي سماسرة سوق الجملة في رفع الأسعار.
خالد أبوالحسن (35 سنة) بائع أسماك بسوق التقدم بالرباط، يقول عن أسعار الأسماك التي يعرضها على بسطته، “بعنا السردين اليوم بـ12 درهما ما يعادل 1.26 دولار، وهو سعر أقل من أسعار السوق، فغيري يبيعه بـ15 درهما (1.57 دولار)، أما أسماك الشرن، فابيع الكيلو منها بـ13 درهما وسمك موسى، فأبيعه بـ18 درهماً للكيلو، وأنا اقنع برزق قليل تحل فيه بركة دعاء زبائني لي”.
ويستطرد أبوالحسن قائلا، “يزوّدني بالأسماك الطازجة صاحب صندوق السمك المعزول حراريا، الذي تسحبه دراجة نارية وينتقل بين سوق الجملة والذي يتجوّل في سوقي النهضة والتقدم لتزويدهما بحاجة التجار من الأسماك”.
ويؤكد أبوالحسن ارتفاع أسعار بعض أنواع السمك في الفترة التي أعقبت شهر رمضان من هذا العام، فيقول “يعود السبب في ارتفاع الأسعار هذه السنة إلى تزايد طلب الزبائن عليها.
وثبات المعروض في سوق الجملة، ووجود ‘شناقة’ يحققون أرباحا يومية مهمة من خلال التوسط بين تاجر الجملة، وأصحاب الصناديق المتنقلة، المزودين لباعة الأسواق بالأسماك”.