شرطي مغربي يزاوج ببراعة بين الريشة والأصفاد
عبدالعزيز حصري فنان تشكيلي مغربي مزج بين مهنته السابقة كرجل أمن وبين موهبته في الرسم، التي قادته بعد التقاعد إلى الشهرة كفنان عصامي بوصفه لم يتلق تكوينا أكاديميا في فن الرسم، لكنه صقل موهبته وعرض لوحاته أمام الناس.
لن تمر من الزقاق المطل على الشاطئ بالمدينة القديمة بأصيلة المغربية دون أن تنجذب إلى شخص غزا الشيب شعره وهو يرسل نظرات تجمع بين الحدة والرقة، ويقف بثقة ورزانة أمام معرض لوحاته في الهواء الطلق، فتارة يتأملها وتارة أخرى يكون في حديث مع أحد المهتمين بلوحاته، هو شخص يأسرك ببساطته ولباقته وعند التمعن في ما خطته ريشته على اللوحات تدرك تناسقا أخاذا بين الألوان والخطوط.
عرّف عبدالعزيز حصري الفنان التشكيلي نفسه بأنه من مواليد 1949 بمكناس ويقطن الآن بأصيلة، المدينة الشاطئية التي جمعته بها علاقة قديمة عندما التحق بها أول مرة سنة 1973 كشرطي وتركها ليعود إليها مرة أخرى في العام 1987 ولم يبارحها حتى بعد تقاعده في العام 2010 من جهاز الشرطة.
وأوضح حول بداية علاقته بالتشكيل، أنه استمد مخزونه من مدينة مكناس ومن موروثها الحضاري والثقافي والعمراني، فـ”تشكل لديّ مزيج من الألوان والعادات تميزت به تلك المدينة التاريخية”.
وأضاف حصري “إنني لم أكن أدري أن اهتمامي ببعض التفاصيل في هندسة بعض القصور والدور الأثرية وبعض الخربشات هنا وهناك ستكون بداية للإرهاصات الأولى لموهبة الرسم التي سوف تتبلور مع مرور السنوات”.
وتابع “بدأت تجربتي مع الفن التشكيلي منذ كنت أدرس في التعليم الثانوي، وذلك برسم بعض البورتريهات وأشياء أخرى، لكن توارت تلك الرغبة في الرسم بعد ذلك حتى العام 2000، حيث عاودتني الرغبة الملحة داخليا في أن أترجم ما يجول بداخلي من أفكار ومشاعر وأحاسيس إلى ألوان”.
وقال حصري حول علاقته بمدينة أصيلة وفنانيها وكيف تعاملوا مع موهبته “الكل يعرفني وأعرض لوحاتي في الهواء الطلق، رغم أنني كنت سابقا أتعرض لمضايقات كثيرة، وبعض الزملاء في جهاز الشرطة لم يكونوا ينظرون إلى عملي نظرة تشجيعية، لكنني تحدّيت ذلك الواقع بالاجتهاد وعملت على تطوير قدراتي في الرسم دون أن يؤثر ذلك على مهنتي كشرطي”. وأضاف “مع الوقت بدأت نظرة بعض المسؤولين في الإدارة تتغير إيجابيا نحو عملي التشكيلي”.
عبدالعزيز حصري امتهن الرسم بعد أن تقاعد من مهنته السابقة كرجل أمن مؤمنا بأن الفن من الناس وإليهم
وأوضح أن عرضه للوحاته بمحاذاة جدار مقابلٍ للبحر “اختيار وليس مصادفة، فهذا المكان أشعر فيه بالهدوء والسكينة والإلهام، وكذلك فهو ممر الكثير من الناس منهم أناس عاديون وكتاب وسياح ومؤرخون وإعلاميون، ورغم أنني لم أدرس الفن التشكيلي أكاديميا إلاّ أنني أنافس من درسوا وتخصصوا في هذا المجال”.
وأكد الفنان المغربي أنهم “اعترفوا بموهبتي وأعمالي، وعدم دراستي الأكاديمية لفن الرسم التشكيلي لم يعق موهبتي في التحقق، فكنت دائم البحث بلا كلل عن الإبداع في هذا المجال، وصقلت تلك الموهبة بالممارسة والتكوين الذاتي”. أما موضوعات لوحاته فيشير إلى أنها تتناول كل ما له علاقة بالبيئة التي “ألهمتني بكل تفاصيلها”.
واعتبر مدينة أصيلة “خزانا كبيرا للفنانين العصاميين في مجال الفن التشكيلي متمنيا إنشاء جمعية تضمهم وتهتم بمشاكلهم”، موضحا أن نقلته النوعية من رجل أمن يحمل سلاحا إلى فنان يتسلح بالإحساس المرهف والريشة والألوان، كانت وراءها “موهبة إلهية في الرسم.. وكنت أجد نفسي مرتاحا ومستمتعا وأنا أمازج بين الألوان، فعندما أنتهي من عملي في الشرطة أتوجه رأسا إلى مرسمي، حيث أشتغل ساعات دون أن أشعر بأي تعب”.
وتابع حصري “عندما كنت أعرض لوحاتي كانت الأسئلة تحصرني؛ كيف لهذا الشرطي أن يفعل هذا؟ وكان لديّ خوف في البداية من رد فعل الإدارة حين أقوم بعرض لوحاتي في الهواء الطلق، وفي الأخير غامرت وتحديت هذه الوضعية”، مشيرا إلى أن “المكان الذي أمارس فيه هوايتي هو عبارة عن غرفة داخل المنزل منعزلة عن كافة المرافق حتى لا يزعجني أحد”.
مضيفا أن زوجته متفهمة بشكل كبير لطبيعة عمله، حيث تعمل على توفير كل أسباب الراحة حتى يشتغل في جو ملائم. وقال إن “كل أبنائي ليس لديهم ميول فنية لكنهم يشجعونني ويتذوقون فني، وأعترف بأن لزوجتي الفضل في ما وصلت إليه فهي دائما تشجعني وكذلك أبنائي”.
وأكد حصري أنه يشتغل على لوحات ويعرضها للبيع حيث باع عددا كبيرا من اللوحات لأجانب ومغاربة من كافة المدن بأثمان تتراوح بين 500 و2000 درهم. وأشار إلى أنه “عندما يتأمل هؤلاء اللوحات المعروضة يتساءلون عن المدرسة التشكيلية التي تخرجت منها ويندهشون عندما يعرفون أنني عصامي”.
وقال حصري إن هناك لوحات تستغرق من الوقت 4 أيام وأخرى أسبوعا وهناك لوحات تستغرق فقط يوما واحدا، موضحا الطقوس التي ترافق رسمه للوحاته، بأن “أجملها يكمن في الاستماع للموسيقى كأغاني محمد عبدالوهاب ومجموعات ناس الغيوان وجيل جيلالة إضافة إلى أصوات العصافير”، لكونها تعطيه إحساسا بالراحة التامة، وهو يرسم.