مسلمي المهجر
اتسم واقع المسلمين بالغرب في العقود الأخيرة بنوع من التوتر والتعقيد. وتركزت العلاقة على ثنائية الغرب المسيحي والمهاجرين المسلمين.
والتقى تصاعد الهجمات الإرهابية مع ما تعانيه بلدان العالم الغربي، وعلى رأسها البلدان الأوروبية، من بطالة وأزمات اقتصادية وقلق اجتماعي. وغذى كل ذلك نزعة الإسلاموفبيا التي التقت بدورها مع تصاعد الشعبوية.
وكشف هذا الواقع الجديد عن حالة عزلة يعاني منها المهاجرون، الذين ولئن نجح الكثير منهم في الاندماج داخل المجتمعات التي هاجروا إليها أو هاجرت إليها عائلاتهم، فإن القسم الأكبر ظل منقسما بين هوية وطنه الأم وهوية البلد الذي يعيش فيه.
وتفرض التحديات التي يواجهها المسلمون في الغرب اليوم الإحاطة الشاملة بواقعهم والنظر إلى المسألة من كل الزوايا، لا فقط من باب الإسلاموفبيا ورغبة المجتمعات الغربية التي تحاول المحافظة على نموذجها في العيش بل أيضا من جهة مدة اندماج المسلمين المهاجرين في هذه المجتمعات وتأقلمهم مع ثقافاتها وكيف يمكن خلق نوع من التوازن بين الزاويتين.
والإحاطة الشاملة بواقع المسلمين في الغرب، حسب محمد بن عيسى، أمين عام منتدى أصيلة، لن تنجح ما لم تكن مسنودة بأبحاث ميدانية متنوعة وعلى مراحل وفترات محددة وتشخيص دقيق لما يواجه المسلمين في الغرب من تحديات، سواء ما يتعلق بتحسين معيشتهم المادية أو الملاءمة بين دينهم وثقافتهم وبين المعتقدات السائدة في مجتمعات يبهرهم تقدمها لكنها في نفس الوقت توقظ فيهم مشاعر رفض غامضة إن لم نقل عداء.
ويصدم رضوان السيد، المفكر والكاتب اللبناني، الحضور بحقيقة أننا في أدنى قعر فساد العلاقات بين المشرق العربي الإسلامي وأوروبا، فهذه الشعوب الشرقية سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة، كلها اندفعت نحو الغرب في حب شبه مرضي.
محمد بن عيسى: الإحاطة بواقع المسلمين في الغرب لن تنجح ما لم تكن مسنودة بأبحاث ميدانية متنوعة وعلى مراحل وفترات
وحمّل السيد المسلمين أنفسهم مسؤولية هذا الوضع الذي يمرون به اليوم، وقال بشكل صريح ومباشر “كل ما يجري هو فشل في مجتمعاتنا الثقافية والسياسية”، وأضاف أنه رغم هذا الوضع إلا أنه لا يزال يحدونا ذلك الانجذاب المرضي نحو الغرب، وإلا لماذا يندفع أبناؤنا عبر قوارب الموت للوصول إليه بحثا عن الأمن والأمان.
هاجر المسلمون إلى الغرب لأسباب اقتصادية وسياسية بحثا عن الأمن وتحسين مستوى عيشهم. وأكد عزالدين عناية، أستاذ العلوم الإسلامية بجامعة روما، أن المسلمين بإيطاليا يشكلون قرابة المليونين، مشيرا إلى أن هجرة المسلمين إلى إيطاليا حديثة، وهم جالية عمالية بالأساس.
ويوجد بإيطاليا سياقان اجتماعيان يتعلقان بالإسلام، هناك الإسلام في الغرب والإسلام الغربي. ويقول عزالدين عناية، إننا لا نزال في طور الإسلام في إيطاليا ولم نصل بعد إلى الإسلام الإيطالي. فالجالية الإيطالية كما يشير عزالدين عناية إسلامها بسيط ولكن داخل هذه الشبكة هناك ما يعرف باتحاد الجمعيات الإسلامية وهو الأكثر نشاطا وهذا الاتحاد يأتمر بخلفية إخوانية سياسية، ولهذا تنظر إليه السلطات الإيطالية نظرة شك وريبة.
وفي فرنسا لم يقدر للإسلام هناك أن يبقى منسجما ومنمطا، ولا أن تكون صورة التعايش بين المسلمين ومضيفيهم متماسكة حسب الكاتب والروائي المغربي المقيم بباريس أحمد المديني. وذلك بفعل العديد من الأسباب الاقتصادية أولا التي تتعلق بسوق العمل وانعكاساته، وأيضا أسباب ثقافية وهي عبارة عن نشوء رغبة متنامية لديهم بالتميز، وهوياتية حيث كانت العقيدة حاضرة فيها باستمرار فزادت تعمقا ليصبح الدين عبارة عن طقوس هوية، وعنوانا أكثر منه بالضرورة قناعة.