نهاية أسطورة داعش أم اختفاء مؤقت من العراق وسوريا
مع إعلان الحكومة العراقية نهاية تواجد تنظيم الدولة في آخر معاقله بمدينة الموصل عقب تحقيق القوات العراقية نجاحات ميدانية ضده مؤخرا، يتجدد السؤال عن مصير هذا التنظيم بعد القضاء عليه، وهل ستشكل هزيمته في هذه المعركة نهاية حقيقية للتنظيم الإرهابي أم ستطرح أجهزة مخابرات إقليمية أو دولية، بدائل جديدة باسم مكافحة الإرهاب للتدخل في شؤون المنطقة، خاصة بعد أن كشفت تقارير متخصصة تواطؤ بغداد ودمشق في تسهيل ظهور الورم الداعشي منذ عام 2014.
اعتبر مراقبون لشؤون مكافحة الإرهاب أن انتهاء معركة الموصل في العراق لن يقفل ملف تنظم داعش وأن الكثير من الحقائق لم تكشفها هزيمة هذا التنظيم. ورأى هؤلاء أن تحرير الموصل من داعش يطرح أسئلة كثيرة حول حكاية هذا التنظيم وأسرار ظهوره كما أسرار اختفائه.
وتساءل خبراء في شؤون الإرهاب عن سر اختفاء هذا التنظيم واختفاء قواه العسكرية التي سبق لتقارير عسكرية غربية أن قدرت عددها بحوالي 35 ألف مقاتل ينتمون إلى أكثر من 100 بلد في العالم، وقدرت زمن القضاء عليه بحوالي 15 عاما.
ولاحظ المراقبون غياب أي صور عن جثث لمقاتلين لداعش ولا وجود لصور تظهر العشرات أو المئات من الأسرى المفترض أن تظهرها نتائج أي معارك، كما غياب صور لمواكب المقاتلين الفارين من ميادين الحرب، على نحو يرفع من مستوى الأسئلة حول كيفية اختفاء هذه الظاهرة، ومن المسؤول عن إخفائها وما هي الترتيبات اللوجيستية الضخمة التي أدت إلى هذا الاختفاء.
ورغم أن الاستراتيجيين العسكريين يجتهدون للاهتداء إلى المناطق التي من المحتمل أن يكون تنظيم البغدادي قد نقل قواته إليها، إلا أن الأمر ما زال داخل إطار الاجتهاد النظري الذي لا تدعمه أي وثائق أو أدلة.
القضاء الحقيقي على داعش لا يتم إلا بالقضاء على خيارات الإرهاب التي ما زالت بعض الدول تعتمدها، خصوصا إيران
ويذهب مراقبون لشؤون الجماعات الإرهابية إلى التشكيك في المعلومات المضخمة التي عملت كافة الأطراف الإقليمية والدولية على إسباغها على التنظيم الإرهابي خلال الأربع سنوات الأخيرة، كما يشككون في قدرة هذا التنظيم العجائبية على السيطرة على 40 بالمئة من مساحة العراق كما على مساحات شاسعة من سوريا دون أن يكون هناك تواطؤ محلي إقليمي دولي يتيح ذلك.
وتقول مراجع عراقية مطلعة إن فضيحة سقوط الموصل عام 2014 لا تتعلق بانتصار داعش بل بانهيار الدولة العراقية وانسحاب قواها العسكرية أمام بضع مئات من المقاتلين الإرهابيين قبل أن يتضخم التنظيم ويصبح قبلة الجهاديين في العالم.
وتضيف هذه المراجع أن الفضيحة الأكبر تكمن في أن النظام السياسي الذي كان يرأسه نوري المالكي لم يتأثر بهذه الهزيمة المنكرة، وهو ما زال حتى الآن جزءا أساسيا من نظام العراق السياسي الحالي، فيما يتهيأ المالكي نفسه لتصدر المشهد الحكومي وإبعاد رئيس الحكومة الحالي حيدر العبادي.
تطالب مصادر سياسية عربية بشفافية كاملة تشرح وتكشف سر تنظيم داعش، وتميط اللثام عن كمّ الخطط والسيناريوهات التي تنفذ وستنفذ في المنطقة باسم مكافحة الإرهاب، كما تطالب بالرد على الأسئلة المتعلقة باختفاء هذا التنظيم وتواري قواته، وتأثيرات ذلك على معركة الرقة في سوريا كما على الحرب التي تشن ضد هذا التنظيم في كل المنطقة.
خير الله خير الله: الحاجة لا تزال قائمة إلى داعش في سوريا، فيما أتم في العراق المهمة التي وجد من أجلها
وترى جهات عراقية مطلعة أن القضاء على داعش في الموصل لا يمثل أي ضمان لعدم عودة التنظيم بأشكال أخرى للضرب من جديد، وأن تعقد المشهد العراقي، لا سيما من خلال الصراع الإيراني الأميركي كما من خلال ما يطرحه استفتاء كردستان من تحديات وعدم التوصل إلى مصالحة داخلية حقيقية، يترك للتطرف أرضية خصبة للعمل من جديد وفق أساليب وأشكال متجددة.
ويرى خبراء دوليون في شؤون الإرهاب أن تنظيم داعش يمثل نقطة تقاطع استثمرت فيها أجهزة مخابرات إقليمية وربما دولية تنتمي لدول كانت تستفيد من هذا التنظيم للإطلالة على شؤون المنطقة، وأن انتهاء التنظيم في الموصل وفي الرقة لاحقا يقفل حقبة تاريخية من عمل هذه الأجهزة، لكنه لا يمنع فتح حقبة أخرى يسمح للإرهاب بأن يبقى أداة من أدوات السياسة الخارجية لهذه الدولة أو تلك.
ويرى هؤلاء أن القطع مع الإرهاب لا يمكن أن يتم إلا من خلال الالتزام الدولي الكامل بالروحية التي خرجت بها قمم الرياض الثلاث مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مايو الماضي، لجهة القطع مع الإرهاب تمويلا وتسهيلا وتشجيعا وتبريرا.
وتذكر تقارير متخصصة أن قادة تنظيم داعش خرجوا بشكل ملتبس من السجون العراقية السورية، بما يعكس تواطؤ بغداد ودمشق على تسهيل ظهور الورم الداعشي على النحو الذي شهده العالم منذ عام 2014.
وتضيف هذه الأوساط أنه ليس صدفة أن تحرير قيادات الجهاديين جرى من قبل نظامين سياسيين تسيطر عليهما إيران سيطرة كاملة، وبالتالي فإن تواطؤ طهران لا يحتاج إلى دليل، خصوصا أن الأمر يصب لصالح ما تخطط له طهران من تسعير للفتنة الشيعية السنية، ومن نشر لنفوذها في المنطقة عبر ميليشيات أفغانية وعراقية ولبنانية تحركها تحت مسوغ محاربة هذا التنظيم.
خلف داعش تنظيم القاعدة وتفوّق عليه في كل ميدان من ميادين الإرهاب والوحشية وصولا إلى تبني عمليات دهس مواطنين أبرياء في مدن أوروبية. ويرى الكاتب السياسي اللبناني خيرالله خيرالله “ليس بعيدا اليوم الذي سينتهي فيه داعش في سوريا بعد تأدية الدور المطلوب والذي وجد أصلا من أجله. سيخرج ‘داعش’ من الرقّة. سيرسم الأكراد الذين قاتلوه بدعم أميركي شارة النصر”.
تنظيم داعش يمثل نقطة تقاطع استثمرت فيها أجهزة مخابرات إقليمية وربما دولية تنتمي لدول كانت تستفيد من هذا التنظيم للإطلالة على شؤون المنطقة
ويقول “يبدو واضحا أنّ داعش لم يظهر صدفة، كما لم يختف صدفة. الأكيد أن هناك من سيخلف داعش في مناطق أخرى من العالم وفي ظلّ أسماء أخرى مختلفة تصبّ كلّها في سياق تنفيذ مخطّط مدروس بدقة”.
ويرى بعض المحللين الأميركيين أن القضاء الحقيقي على داعش لا يتم إلا بالقضاء على خيارات الإرهاب التي ما زالت بعض الدول تعتمدها، خصوصا إيران، وأن اختفاء التنظيم الذي لم يتأكد مقتل زعيمه أبي بكر البغدادي، قد لا يعدو كونه اختفاء مؤقتا يجري إظهاره في مكان وزمان آخرين وفق ما تحتاجه إيران ودول أخرى.
ويؤكد خيرالله “تبيّن مع مرور الوقت أنّ هناك وظيفة عراقية وأخرى سوريّة لداعش. سبقت الوظيفة السورية الوظيفة العراقية، لكن ما لا يمكن الاختلاف في شأنه هو أنّ الحاجة لا تزال قائمة إلى داعش في سوريا، فيما أتمّ داعش في العراق المهمّة التي وجد من أجلها، أي تدمير الموصل وتهجير أهلها وتغيير طبيعة المدينة وتركيبتها وتغطية ممارسات الحشد الشعبي التي هي في مستوى ممارساته والوجه الآخر لها.
لولا داعش لما كان ممكنا تشكيل الحشد الشعبي الذي هو الوجه الآخر لهذا التنظيم الإرهابي السنّي. بفضل داعش صار طبيعيا أن يقود معارك الموصل الجنرال الإيراني قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني. بفضل ‘داعش’ صار كلّ شيء مقبولا في العراق، بما في ذلك أن تحلّ ميليشيات مذهبية مكان الجيش العراقي”.