الأمن الغذائي في مصر: معالجة الأزمة المتصاعدة بنصف حلول
منذ خمسينات القرن الماضي تصر الدولة المصرية على فكرة الإستصلاح الزراعي كحل رئيسي لتوفير الغذاء للمصريين، لكن وبينما لا تزال الحكومات المصرية تحاول رسم بقع خضراء في وسط الصحراء القاحلة، يرى الخبراء أن هذا الحل غير عملي فيما تتفاقم مشكلة الأمن الغذائي في البلاد في ظل الجفاف وارتفاع منسوب مياه البحر، مما قد يؤدي إلى غرق منطقة دلتا النيل التي تمثل جزءا مهما من مساحة الأراضي الصالحة للزراعة، فضلا عن عوامل أخرى مثل التلوث وتدهور جودة التربة والتغيرات المناخية العالمية وارتفاع عدد السكان؛ يأتي هذا في وقت يزداد فيه قلق المصريين من غلاء الأسعار واتساع الفجوة الغذائية.
حتى الخبز المدعم لن نلحق عليه
يترقب الشارع المصري حاليا مجموعة كبيرة من القرارات التي تتخذها الحكومة في يوليو والخاصة بزيادة الأسعار، خاصة ما يتعلق بأسعار الغذاء؛ وسبق أن تمت زيادة أسعار الوقود منذ أيام قليلة. وبدا من التصريحات الأخيرة للعديد من الوزراء أن الحكومة تتخوف من الأثر الذي سوف يترتب على أي زيادة مرتقبة في أسعار الكهرباء ومياه الشرب والمحروقات عموما.
ويتوقع المراقبون أن تؤدي هذه الزيادة إلى احتقان كبير في الشارع المصري، لأنها ذات تأثير مباشر على المواطن، حيث سينتج عنها ارتفاع فوري في تكلفة جميع وسائل المواصلات والأسعار الغذائية. وتمثل أي زيادة أخرى في أسعار الغذاء ضغطا مضاعفا على صانع القرار المصري الذي لن يواجه في المستقبل تهديدا بسبب معارضة سياسية أو غضب من غياب الحريات، بل ثورة “جياع“.
وارتفعت نسب الفقر وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية في مصر بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية. وصنفت دورية نيتشر الدولية للعلوم البريطانية، في بحث نشرته في عددها رقم 7651، مشكلة الأمن الغذائي من أكبر المشاكل التي تواجه النظام والحكومة في مصر في الوقت الراهن. والأمن الغذائي هو قدرة الناس على الحصول على الغذاء الكافي والصحي والآمن الذى يلبي احتياجاتهم الأساسية من الغذاء بشكل دائم.
وذكرت معدة البحث لويز سارانت، وهي مراسلة حرة في مجالي البيئة والعلوم تعمل من القاهرة، أن مصر تستورد 40 في المئة من إجمالي غذائها، و54 بالمئة من احتياجاتها المحلية من قمح الخبز الذي يعد المكون الرئيسي للوجبة الغذائية على الرغم من كل المحاولات التي تبذلها الحكومة لزيادة الإنتاج المحلي.
وتعرض أزمة نقص الإنتاج المحلي من الغذاء والاعتماد علي الاستيراد الاقتصاد المصري أيضا لخطر كبير نتيجة لهشاشته أمام التغيرات العالمية لأسعار الغذاء، خاصة بعدما انخفضت قيمة الجنيه المصري إلى النصف في عام 2016 بعد قرارات تعويم الجنية وتطبيق شروط صندوق النقد الدولي، ما نتج عنه ارتفاع هائل في أسعار السلع الغذائية.
وحسب إحصائيات لبرنامج الأمم المتحدة العالمي للغذاء، فإن 16 بالمئة من المصريين يجدون صعوبة بالغة في الحصول على احتياجاتهم الأساسية من الغذاء.
وازدادت حدة أزمة نقص الغذاء في السنة الماضية، وعانى قطاع كبير من المواطنين نقصا في العديد من السلع الغذائية الضرورية لحياتهم اليومية كالأرز والسكر وزيت الطهي، وانعكست حدة تلك الأزمة بشكل أكبر في القرى والنجوع المصرية البعيدة عن العاصمة بشكل أكبر، وعلى سبيل المثال لم يجد 39 بالمئة من سكان صعيد مصر احتياجاتهم الأساسية من الغذاء بسهولة في عام 2016.
ورأى خبراء اقتصاديون أن الحل الأمثل لأزمة الأمن الغذائي يكمن في زيادة الإنتاج المحلي للغذاء، لكنهم أشاروا إلى أن تلك الزيادة لن تكون سهلة في ظل الانخفاض المستمر في نسبة الأراضي المصرية الصالحة للزراعة. وانخفض نصيب الفرد من هذه الأراضي في الخمسين سنة الماضية بنسبة الثلثين، خاصة مع عدم وجود بدائل أخرى لتلك الأراضي الخصبة.
وما زاد المشكلة- حسب تقرير الدورية البريطانية – ارتفاع نسب التعديات على الأراضي الزراعية في أعقاب ثورة 25 يناير عام 2011 نتيجة غياب آليات العقاب القانونية على المخالفين، ما شجعهم على مسابقة الزمن للانتهاء من بناء أكبر قدر من الأبنية على الأراضي الزراعية، فضلا عن التلوث وسوء ري الأراضي والمناخ الحار الذي يعجل بانخفاض القدرة الإنتاجية لأراضي الدلتا الخصبة.