‘دروع’ الدوحة غير قادرة على حمايتها من العزلة

بالرغم من قوة الاقتصاد القطري وقدرته على تجنب أزمة اقتصادية بسبب الفائض التجاري لديه، إلا أن قراءات الخبراء تتحدث عن تكلفة باهظة ستدفعها قطر، مشيرين إلى أن الأزمة تتعدى تدبير إمدادات الغذاء والماء التي قالت تركيا وإيران إنهما ستعملان على توفيرهما لقطر؛ فيما ينذر القرار الذي اتخذته السعودية والإمارات والبحرين ومصر بقطع العلاقات الدبلوماسية وسبل النقل مع الدوحة بأثر سلبي على الميزان التجاري لقطر وسحب الودائع من بنوكها ودفع الاستثمار الأجنبي إلى الخروج من البلاد.

اعتقدت تركيا وإيران أن الأزمة الراهنة بين قطر والسعودية وحلفائها ستكون عابرة وستنتهي بوساطة كويتية، لكن بعد أربعة أيام من قطع علاقاتها مع الدوحة، تؤكد مؤشرات التصعيد عكس ذلك، وسط مخاوف من نقص محتمل بعد قيام أكبر مزودي قطر، الإمارات والسعودية، بقطع العلاقات التجارية والدبلوماسية مع البلد المعتمد على الواردات.

وانتقل الحديث من تقديم الدعم إلى تضخيم صورة، ما أطلقت عليه وسائل إعلام تركية، “دروع تقي الدوحة ضربة الحصار الثلاثي”.

ويأتي على قائمة هذه الدروع: حجم الاحتياطي النقدي وقاعدة العديد الأميركية والبدائل الاستيرادية من إيران والحياد الكويتي العماني وصغر حجم التبادل التجاري مع المقاطعين واعتماد صادراتها على الغاز الذي تصدره بحرا عبر موانئها.

لكن وبينما تبدو هذه “الدروع” في ظاهرها ممكنة في ظل الأزمة الراهنة، يؤكد الخبراء أن النظر بتمعن في هذه الأدوات يكشف مدى قصورها وأنها لا تساعد كثيرا على تغطية الخسائر من جراء القطيعة العربية والإقليمية المتزايدة تجاهها والحصار المفروض عليها من البحر والبر والجو. فكل واحدة من هذه الأدوات المقترحة تعاني هي أيضا من مشاكل وأزمات تجعل دورها محدودا.

ويضيف الخبراء أن الحديث عن “الدروع” دون استيعاب الصورة كاملة يعقد الأزمة، فإيران وتركيا تحاولان الاستثمار في العناد القطري بما يؤدي إلى توسيع دائرة الخلاف الخليجي متجاهلتين أن معظم عمق قطر الاستراتيجي يقع على حدود المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وأن هامش تحرك قطر، التي ليس لها منافذ بحرية أو برية أو جوية، ضيق خارج هذا العمق ضيق.

بأصول تقدر بنحو 335 مليار دولار، في صندوق الثروة السيادية إضافة إلى احتياطي نقدي يبلغ 43.6 مليار دولار، تظن قطر أنها قادرة على تفادي أزمة اقتصادية. ولا ينفي الخبراء أن الصناديق الحكومية القطرية ستتدخل لدعم سوقها، لكنهم يحذرون من أن التدخل سيكون محدودا إذا ما طالت الأزمة واشتد الحصار.

سيكون للخلاف الدبلوماسي أثر خطير على صفقات التجارة والشركات في المنطقة وبخاصة الخطوط الجوية القطرية التي لم يعد بإمكانها تسيير رحلات إلى بعض الأسواق الكبرى في الشرق الأوسط. وتطرق الخبراء إلى المشكلات الاقتصادية المتمثلة في الشركات متعددة الجنسيات، والتي أصبح غير ممكن لمديريها التنفيذيين الدوليين التنقل من قطر وإليها للقيام بأعمال تجارية. وتكبدت البورصة القطرية خسائر حادة متأثرة بالأزمة الدبلوماسية بين الدوحة وخمس دول عربية، حيث هوت مؤشرات الأسهم.

وهذا من شأنه أن يثقل كاهل صندوق الثروة السيادية الذي يعاني بطبعه من تراكم الديون والإنفاق الكبير على مشاريع كرة القدم وشراء العقارات الكبرى في مختلف العواصم العالمية، بالإضافة إلى الإنفاق المتزايد في السنوات الأخيرة على الحروب والإعلام والإسراف في العطايا للتابعين والحلفاء، وحتى الآن يبدو أن هذا السخاء المالي لم يجلب إلا القليل من الحلفاء.

صندوق الثروة السيادية يعاني بسبب تراكم الديون والإنفاق الكبير على مشاريع كرة القدم والحروب والإسراف في العطايا
وتكبد صندوق الثروة السيادية القطري، الذي أنشأه في عام 2005 المجلس الأعلى للشؤون الاقتصادية والاستثمار الذي يرأسه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في السنوات الأخيرة خسائر كبرى، منها حوالي 12 مليار دولار في الأسهم التي يملكها في فولكس فاغن وشركة غلينكور والبنك الزراعي الصيني، سنة 2015. وتراجعت قيمة حصة الصندوق القطري البالغة 8.2 بالمئة في شركة غلينكور شركة التعدين وتجارة السلع تحت وطأة الديون الكبيرة التي تعاني منها الشركة. وسجلت فوائض الحساب الخارجي انكماشا كبيرا، وفق تقارير صندوق النقد الدولي.

وحسب وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية، فإن الأزمة قد تؤثر على التصنيف الائتماني لقطر إذا أدت إلى تعطل حركة التجارة وتدفقات رؤوس الأموال. وسبق أن خفضت وكالة التصنيف الائتمانية الدولية “موديز”تصنيف قطر السيادي من “Aa2” إلى “Aa3”، أواخر شهر مايو الماضي.

وأرجعت الوكالة في تقريرها إن أسباب خفض التصنيف السيادي إلى “ضعف وضع قطر الخارجي وعدم اليقين بشأن استدامة نموذج النمو في الدولة إلى ما بعد السنوات القليلة القادمة”، مشيرة إلى أن “إجمالي الدين الخارجي لقطر بلغ ما يقرب من 150 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2016، مقارنة بما يقدر بنحو 111 في المئة خلال عام 2015. ويعتبر ارتفاع نسبة مستوى الدين الخارجي مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي في قطر هو الأعلى بين الدول ذات التصنيف Aa2-Aa3.

وتقترض الحكومة القطرية لتمويل إنفاق على البنية التحتية تقدر قيمتها بـ200 مليار دولار مع استعدادها لاستضافة كأس العالم لكرة القدم 2022. وينبئ تراجع أسعار السندات القطرية بأن تكلفة الاقتراض ستزيد الأمر الذي قد يكبح بعض المشاريع.
فراغ لم يتعوده مطار حمد الدولي
وتمثل الجارة السعودية مصدرا لواردات المواد الأساسية لقطر، من بينها الإسمنت والصلب عن طريق الشحن البحري والبري أيضا. وقد ترتفع تكاليف الإنشاءات في قطر مما سيغذي التضخم بسبب عدم إمكانية استيراد الألومنيوم ومواد البناء برا؛ كما أن الإمارات ستمنع كل المعادن التي تستوردها قطر وتحتاجها لاستكمال مشاريع استقبال كأس العالم.

بعد ساعات من إعلان الدول قرارها قطع العلاقات، أبدت أنقرة وطهران استعدادهما لتزويد الدوحة بالسلع الغذائية. ونقلت وكالة أنباء فارس الإيرانية، عن رئيس نقابة مصدري المحاصيل الزراعية في إيران، رضا نوراني، تأكيده على أن إيران تعتبر الأقرب بحريا لهذا البلد، وتستطيع شحن المواد الغذائية لقطر في غضون 12 ساعة.

لكن يقول خبراء إن اعتماد قطر على الطرق البحرية أو الجوية بالكامل في تدفق البضائع، ما يمثل تحديا لوجستيا لها. فالشحن الجوي لن يكون قادرا على توفير حاجات أكثر من مليوني شخص يعيشون في قطر، من مواطنين ووافدين؛ وهي احتياجات تتضاعف خلال شهر رمضان.

وتعتمد قطر في تحقيق أمنها الغذائي بشكل كبير على حدودها البرية الوحيدة التي تجمعها بالسعودية. إذ تعبر الحدود مئات الشاحنات يوميا، والتي تشكل محتوياتها 40 بالمئة من الغذاء القطري. وكانت واردات قطر من الغذاء البالغة 1.05 مليار دولار في 2015 نحو 309 ملايين دولار منها من السعودية والإمارات. وكان جزء كبير منها، وبخاصة منتجات الألبان يأتي برا عبر الحدود السعودية.

ونقلت شبكة بي بي سي عن الخبير غانم نسيبة قوله إنه “وبما أن الحدود قد أغلقت، فستلجأ قطر إلى البحر والجو ما سيرفع تكلفة الغذاء بشكل كبير، ويؤثر على القطريين العاديين الذين سيبدأون بالتململ من نظام الحكم”. وقدمت صور المحلات التجارية التي امتلأت بالناس في اليوم الأول لإعلان المقاطعة وهم يشترون الأغذية خوفا من نفادها دليلا على خطورة الوضع.

تعتمد قطر بشكل كبير على الواردات القادمة من السعودية والإمارات. وسجل التبادل التجاري لقطر مع دول الخليج 37.9 مليار ريال قطري، أي ما يقارب 10.5 مليار دولار أميركي عام 2016، وذلك بحسب بيانات وزارة التخطيط التنموي والإحصاء القطرية.

وتشير أرقام غرفة قطر إلى أن السعودية تصدرت في الربع الأول من العام المالي الدول المستقبلة للصادرات القطرية غير النفطية بنحو 41 في المئة من إجمالي هذه الصادرات، تبعتها الإمارات بنسبة 32 في المئة.

واستوردت قطر عام 2016 ما قيمته 19 مليار ريال قطري من البضائع الخليجية، ولا سيما من السعودية والإمارات التي شكلت صادراتها إلى قطر 83 في المئة من واردات قطر الخليجية، يضاف إليها 6 في المئة من البحرين، لتشكل صادرات الدول الثلاث إلى قطر 89 في المئة من إجمالي واردات قطر من الدول الخليجية.

89 بالمئة صادرات كل من السعودية والإمارات والبحرين إلى قطر
وتعتبر البضائع المصنعة للمستهلك النهائي أهم واردات قطر من دول الخليج. وتشكل هذه البضائع 27 في المئة من إجمالي واردات قطر من دول الخليج، تليها الأغذية والحيوانات الحية. وتمثل قيمة وارداتها نحو 16 في المئة من الإجمالي حيث تستورد دولة قطر ما نسبته 15 في المئة من المواد الغذائية من السعودية، و11 في المئة من الإمارات.

تستطيع قطر، أكبر مصدر للغاز المسال في العالم، عبر موانئها، مواصلة تصدير الغاز الطبيعي المسال، الذي حقق لها فائضا تجاريا بلغ 2.7 مليار دولار في أبريل. لكن، استمرار تصدير الغاز لن يقابله قدرة مماثلة على استيراد البضائع والمواد الاستهلاكية التي تأتيها برا عبر الحدود السعودية، المغلقة حاليا؛ فيما يؤكد خبراء أن الاستيراد عن طريق البحر لن يفي بالغرض.

لم تقطع الكويت وسلطنة عمان علاقاتهما مع الدوحة. وبينما التزمت عمان الحياد والصمت، انخرطت الكويت في محاولات نزع فتيل الأزمة إذ دخلت، منذ نحو 10 أيام وقبل التصعيد الجديد على خط الوساطة.

لكن، وخلافا لمرات سابقة توسطت فيها الكويت في خلافات بين قطر والسعودية والإمارات والبحرين، لا يتوقع الخبراء أن تحمل وساطتها هذه المرة أي تطور في حال واصلت قطر سياساتها الاستفزازية، التي يرى البعض من المراقبين أنها تأتي بتحريض من تركيا وإيران، ومحاولاتهما إيهام الدوحة بأنهما قادرتان على تغطية التكلفة الباهظة للأزمة.

ويؤكد المراقبون أن عدم مسايرة الكويت وسلطنة عمان لقرار بقية دول مجلس التعاون الخليجي ضد قطر ليس مرده تأييدا لمواقف قطر بقدر ما هو مسعى لخلق وسيلة تواصل بين الطرفين من جهة، ولأن الكويت وعمان لم تسلما، رغم خصوصية العلاقة بينهما وبين قطر من التقارير التحريضية للجزيرة.

منذ إعلانه عن تفاصيل الحرب ضد الإرهاب، دعا خبراء ومسؤولون أميركيون الرئيس دونالد ترامب إلى إعادة النظر في تواجد قاعدة العيديد في قطر.

وبينما تعمل الولايات المتحدة على بناء تحالف ضد المتطرفين الإسلاميين وإيران، عليها ألا تسمح لقطر بأن تتلاعب بها مستغلة وضعها كمقر لقاعدة عسكرية أميركية.

ورغم أنه يبدو من المستبعد في الوقت الراهن نقل القاعدة إلا أن الأمر لا يعد مستحيلا في عهد الرئيس ترامب، وفق خبراء.

وإذا لم تتراجع قطر عن سياساتها الداعمة للتنظيمات الجهادية، بغض النظر عن أزمتها مع السعودية والإمارات والبحرين ومصر واليمن، وغيرها، فإن واشنطن ستنظر بجدية في شأن القاعدة الأميركية الواقعة على بعد نحو 30 كيلومتراً جنوب غربي الدوحة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: