معانات خادمات البيوت بالمغرب و إستغلالهن من طرف السماسرة
قامت السلطات المغربية في سنة 2016، بسنّ قانون من شأنه أن ينظّم قطاع تشغيل الخادمات، ولكن العديد منهن مازلن إلى الآن يعشن تحت رحمة سماسرة هذا المجال.
وراء عربات الباعة المتجولين للفواكه والخضراوات، تصطف مجموعة من النساء منحنيات الرأس، وهن يتساءلن عما إذا كان سيتم اختيارهن اليوم. يتكرر هذا المشهد يومياً في حديقة بحي عين الشق. كل صباح، تجتمع عشرات الفتيات، يرتدين جلاليب ملونة، في هذه الحديقة، على أمل العثور على عمل كخادمات.
طوال الصباح، تأتي ربات البيوت للتجول في هذه الحديقة بغية اختيار خادمة جديدة وفقاً للمهارات التي تمتلكها، وعمرها، وحتى مظهرها. يحدث كل ذلك تحت أنظار ورقابة السماسرة الذين يحتكرون هذا القطاع.
وتتمثل مهمة السمسار في لعب دور الوسيط خلال المعاملات المالية، مقابل الحصول على عمولة.
ومؤخراً، احتل هؤلاء السماسرة قطاع العقارات، حيث يضطلعون بدور الوكلاء الرسميين. وفي الأثناء، أصبح البعض منهم متخصصاً في تجارة المنازل والشقق.
قانون مثير للجدل
وكان مجلس النواب المغربي قد مرر في يونيو/حزيران 2016 قانوناً مثيراً للجدل يتيح للقاصرات اللائي يبلغن سن الـ16 بالعمل كخادمات في المنازل. وبالرغم من غياب 339 نائباً عن جلسة التصويت فإن القانون أقر بغالبية الحاضرين الذي بلغ عددهم 49 نائباً فقط، بينما صوّت 7 برلمانيين ضد القانون.
ونص القانون على أنه “يمكن وفق مرحلة انتقالية مدتها 5 سنوات تبتدئ من تاريخ دخول القانون حيز التنفيذ، تشغيل الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و18 سنة بصفتهم عاملات وعمالاً منزليين شريطة أن يكونوا حاصلين من أولياء أمورهم على إذن مكتوب مصادق”.
عملية تبادل تكلف 200 درهم
في الحقيقة، تشبه مهنة السمسرة إلى حد ما خدمات شركات التوظيف. ولكنها تعتبر تجارة غير مشروعة، حسب صحيفة لوموند.
وأصبحت العديد من النساء المغربيات اللواتي يبحثن عن عمل كخادمات في المنازل، سجينات بعض الوسطاء عديمي الضمير. وفي حال عدم وجود أي عقد بين المؤجر والأجير، تحرم الفتيات المنتدبات من حقوقهن، أو يتم إعطاؤهن أجوراً زهيدة. فضلاً عن ذلك، تتعرض هؤلاء الفتيات، في بعض الأحيان، لسوء المعاملة.
علاوة على ذلك، يستغل السماسرة بشكل غير قانوني القاصرات، حيث يقمن بتوظيف خادماتٍ صغيرات لم يتجاوز عمرهنّ السن القانوني للعمل، علماً وأن الحد الأدنى لسن عاملات المنازل هو 16 سنة.
اسم مستعار
في واقع الأمر، تعد مهنة السمسرة من أقدم المهن في المغرب، حيث تعود جذورها إلى سنوات الثمانينات. فعلى سبيل المثال، كان أحد السماسرة، آنذاك، يدير فرناً لصناعة الخبز التقليدي في الدار البيضاء، وفي الوقت ذاته كان يساعد زبائنه على إيجاد خادماتٍ مقابل الحصول على مبلغ مالي. وقد قرر هذا السمسار الذي قضى فترة من الزمن في السجن لأسباب غامضة، أن يكرس حياته لمزاولة هذا النشاط تحت اسم مستعار.
أما اليوم وبعد 30 سنة، تغيرت الظروف ولكن مهنة السمسرة لا تزال موجودة، حيث يمكن لأي أحد أن يرى رجلاً أسمر نحيفاً، يبلغ من العمر حوالي 50 سنة، يمسك هاتفاً ذكياً في حديقة عين الشق، التي جعل منها مقراً لعمله، وذلك دون أن يتعرض لأي مضايقات من قبل السلطات.
والجدير بالذكر أن السمسار في المغرب يتقاضى قرابة 500 درهم أي ما يعادل 45 يورو مقابل توظيف كل خادمة، حيث يحصل على 400 درهم من قبل صاحب العمل، و100 درهم من الخادمة نفسها. وفي حال لم يكن صاحب المنزل راضياً عن أداء المدبرة المنزلية بعد مرور ثلاثة أشهر، فيمكنه استبدالها مقابل تقديم مبلغ 200 درهم للسمسار.
وفي هذا الصدد، أفاد حارس يعمل بالقرب من حديقة عين الشق بأن “السمسار يكسب ما لا يقل عن 20 ألف درهم شهرياً”، أي أكثر من 1800 يورو، دون أن يضطر لدفع ضرائب أو أي رسوم، نظراً لأنه يعمل في مكان عام.
“يبيعوننا مثل الماشية”
يعمل المئات من السماسرة في الدار البيضاء، سواء في الحدائق أو وراء المساجد، في حين يسيطر كل منهم على مكانه الخاص. وفي الأثناء، يعمد الكثيرون منهم إلى التواصل مع الفتيات الراغبات في العمل وربات المنازل من خلال موقع واتساب أو عن طريق المعلومات التي يتلقونها من حراس السيارات أو المباني.
وقد أصبحت هذه المهنة التي كانت تمارس في الخفاء وبشكل سري، وظيفة فعلية وتمارس علناً في مدينة الدار البيضاء التي وصل عدد سكانها إلى ما يقارب 6 ملايين نسمة، وازداد فيها الطلب على هذا الصنف من الخدمات. وبغية كسب المزيد من المال، يعمد السمسار، كل بضعة أشهر، إلى تحريض الخادمات على ترك المنازل التي يشتغلن فيها حتى يقوم بإرسالهن لخدمة منازل أخرى. ومن خلال هذه الاستراتيجية المتبعة، يتمكّن السمسار غالباً من مضاعفة العمولة التي يتقاضاها، وفقاً لما جاء في تقرير الصحيفة الفرنسية.
وفي هذا الإطار، تقول فاطمة التي تبلغ من العمر 27 سنة والتي تعمل طباخة في بيت رجل مغربي في عقده الخامس: “أنا لا أختلف عن الكثير من الفتيات في هذا المجال، فقد غادرت قريتي للعثور على عمل في الدار البيضاء. وفي سن الـ15 تعرفت على سمسار في مجال توظيف الخادمات”. وتجدر الإشارة إلى أن هذا السمسار يشرف على عمل فاطمة منذ 10 سنوات.
وأردفت فاطمة أنه “في الحقيقة يُتاجر بنا مثل الأغنام، حيث تبادر ربات البيوت بانتقاء الخادمات وفقاً لمعاييرهنّ الخاصة. فقد تميل بعضهن إلى اختيار خادمة قبيحة خوفاً على أزواجهنّ، أو فتيات يسهل الإساءة لهن”.
في بعض الأحيان يخرج السماسرة في جولة في القرى الريفية الصغيرة لتجنيد الفتيات الأميّات، حيث يتعهدون لآبائهن بتسجيلهن في المدارس، فضلاً عن تشغيلهن فيما بعد. ولكن، ومباشرة إثر وصولهنّ إلى المدينة، تجد هذه الفتيات أنفسهن تحت سيطرة ورحمة هذا الشخص.
وفي هذا الإطار، أوردت فاطمة أن “السمسار أخفى على ربة البيت عمري الحقيقي. وعلى أي حال، لا يهم كم أبلغ من العمر نظراً لأن أجري لا تتجاوز 350 درهماً في الأسبوع، علاوة على أنني لا أتمتع بتغطية اجتماعية أو عطلة أسبوعية”. وأضافت هذه الشابة، التي تبدو أكبر من سنها، أنه “عندما قدمنا لهذه المدينة الكبيرة، لم نكن نعرف أحداً، لذلك لم يكن لدينا خيار سوى أن نثق بهذا السمسار”.
الميزة الوحيدة لهذا القانون
وفي الوقت الراهن، تحظى فاطمة بالعديد من الامتيازات مقارنة بالسابق، وذلك نظراً لأنها تعمل لدى زوجين يحترمان القانون، حسب ما أكدته فاطمة بنفسها.
منذ سنة 2016، أصبحت الخادمات يتمتعن بجملة من الحقوق، علماً بأن هذه المهنة كانت تمارس خارج نطاق قانون العمل. وفي الأثناء، يشترط القانون الجديد أن يتم توقيع عقد عمل بين الطرفين. ويضمن هذا القانون للخادمة الحصول على تغطية اجتماعية وتقاضي راتب لا يقل عن 60% من الحد الأدنى للأجور في المغرب، الذي تبلغ قيمته 2570 درهماً في الشهر. فضلاً عن ذلك، ينص هذا القانون على أن الحد الأدنى لسن العمل يتراوح بين 16 و18 سنة.
وعلى الرغم من أن هذه الأحكام الجديدة لهذا القانون تعتبر غير ناجعة من وجهة نظر الجمعيات المحلية، فإنها شجعت على خلق سوق جديدة تعمل بطرق قانونية وخارج شبكات التشغيل غير الرسمية.
في الواقع، ومنذ أن تم سنّ هذا القانون ظهرت العديد من وكالات التوظيف القانونية. وفي هذا الصدد، قالت مديرة وكالة التوظيف “بيتي هلب”، سلمى خديري إن وكالتها “تحرص على إبرام عقد والالتزام بنصه، مما يضمن حقوق كل من الخادمات وصاحب العمل”.
وأضافت خديري أن “تكلفة خدماتنا لا تختلف في الواقع عن تلك التي يقدّمها الوسطاء التقليديون”. وتابعت خديري أن “السماسرة لا يزالون ينشطون في الشوارع ولكنهم لا يمثلون أي تهديد لنا، نظراً لأنهم لا يدفعون الحدّ الأدنى للأجور ولا يحترمون الموظفين الذين يتعاملون معهم”.
المنافسة الخارجية
وفي الشارع يخشى السماسرة من منافسين آخرين، وهم شركات التوظيف الأجنبية. ففي المغرب، تحولت وجهة الأسر المغربية إلى توظيف خادمات آسيويات أو قادمات من جنوب الصحراء الكبرى. فعلى سبيل المثال، قامت زينب، البالغة من العمر 38 سنة، بتشغيل سنغالية منذ سنتين، انتدبتها عن طريق وسيط إيفواري، يدعى “مارك”. في الحقيقة، يتكفل هذا الوسيط بجلب خادمات من ساحل العاج، والسنغال والكاميرون، وغامبيا، مع أو من دون أوراق قانونية، ويعرضهن على العائلات المغربية براتبٍ يقدر بما لا يقل عن 1200 درهم شهرياً.
وفي هذا الصدد، قال مارك إن “الأجر الذي تتقاضاه تلك الفتيات في المغرب أعلى من الذي يتقاضينه في بلدانهم”. من جانبها، أوردت زينب أن “هذه الخادمة تتحدث الفرنسية، وتتقاضى أجراً أقل من المغربيات، علاوة على أنها لا تحتاج إلى الحصول على عطلة على الإطلاق، حتى خلال الأعياد الدينية”.