الملك محمد السادس يهتم بإحياء الفن المعماري المغربي
ترأس الملك محمد السادس، الثلاثاء بمنطقة القرويين العريقة بفاس حفل افتتاح 3 مدارس تاريخية بعد إنهاء عملية ترميمها وضمها لجامعة القرويين التي تعتبر من أقدم الجامعات في العالم، لتعليم وإيواء طلبة فن الخط العربي بالجامعة. ويرجع تأسيس هذه المدارس إلى القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلادي.
ويتعلق الأمر بكل من المدرسة المحمدية التي يعود تأسيسها إلى القرن 13 الميلادي، وتم تجديدها في القرن 20 على يد جد الملك الحالي السلطان محمد الخامس (توفي سنة 1961)، ومدرسة الصفارين التي شيدت عام 675 للهجرة الموافق لـ1276 للميلاد، والمدرسة البوعنانية التي شيدت عام 758 للهجرة الموافق لـ1356 للميلاد.
كما أعلن القائمون على الجامعة أمام الملك محمد السادس عن إحداث مسلك لتعليم الخط العربي بجامعة القرويين، سيكون مقره بمدرسة الصهريج التي تم تشييدها هي الأخرى في القرن 14، وفتح دار الموقت، وإقامة عالم متخصص في التوقيت بها، حيث سيتولى تدريس والتوجيه في هذا العلم التاريخي الذي نذر الاهتمام به.
محمد السادس يسعى إلى وصل ماضي القرويين بحاضرها
وفي كملة له خلال الحفل الذي ترأسه الملك محمد السادس، قال أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي، إن هذه المشاريع تأتي في سياق “حرص الملك على أن تعود لجامعة القرويين أصالتها في تكوين العلماء، من حيث القوة في التحصيل والتفتح والقدرة على المنافسة العلمية على الصعيدين الوطني والدولي”.
وأضاف أن الملك يسعى إلى “وصل ماضي القرويين بحاضرها، وإعداد العدة للاجتهاد الفقهي الرصين وللحوار حول هذا الدين والمجادلة فيه بالتي هي أحسن، وتكوين أجيال من العلماء قادرين على نشر الفكر الديني السمح الصحيح”.
وتوقع الوزير المغربي أن يكثر الطلب على هذا التعليم في القرويين على صعيد الداخل ومن الخارج، واصفا هذا النوع من التعليم والتكوين الديني بـ”المتميز”.
واعتبر وزير الاوقاف أن “إحياء الفن المعماري بالمغرب، ووضع برامج متميزة عالميا للتكوين في العلوم الدينية مقترنة بالعلوم الإنسانية وتشجيع الفنون الجميلة هي من العلامات الراقية في النموذج الحضاري الذي يشيده المغرب بقيادة الملك محمد السادس، سيعطي المناعة للأجيال الحالية والمقبلة ضد التطرف والعنف واليأس والانتحال”.
من جهته، قدم المدير العام لوكالة التنمية ورد الاعتبار لمدينة فاس فؤاد السرغيني، عرضا حول عمليات ترميم وإعادة تأهيل المدارس العتيقة لمدينة فاس، الحاضرة التي تعد نموذجا مندمجا للمدينة العربية- الإسلامية والمتوسطية.
وأوضح السرغيني الذي ذكر بأن المملكة المغربية كانت من بين الدول السباقة إلى المصادقة على اتفاقية التراث العالمي لسنة 1972، أن غنى وتنوع الموروث التاريخي للمدينة القديمة لفاس، التي يوجد بها أزيد من 30 ألف صانع تقليدي، مكن هذه الحاضرة الألفية من أن تكون أول مدينة مغربية تسجل في لائحة التراث العالمي سنة 1981.
وأضاف أن الرسالة التي وجهها الملك محمد السادس للمشاركين في الدورة 23 للجنة التراث العالمي المنعقدة في نوفمبر من سنة 1999 بمراكش، وتلك التي وجهها جلالته بمناسبة احتفالات الذكرى ال1200 لتأسيس مدينة فاس، بالنسبة لعدد من الأخصائيين خارطة طريق ومنهاج عمل لتطوير والنهوض بالنسيج التاريخي للمدينة.
وأشار السرغيني إلى أن عناية الملك محمد السادس بالعاصمة الأكاديمية والروحية للمغرب وبموروثها، تجسد من خلال برنامج ترميم ورد الاعتبار لـ27 معلمة تاريخية، من بينها خمسة مدارس عتيقة. وقد أنجزت أشغال تجديد هذه المآثر من طرف معلمين قاموا بترميمها وفقا للنمط الأصلي، مستعينين بمهاراتهم وحرفيتيهم وخبرتهم الموروثة أبا عن جد.
ومن شأن ترميم مختلف هذه المآثر المساهمة في تعزيز المدارات السياحية على مستوى المدينة القديمة لفاس، والارتقاء بجمالية المشهد العمراني، وتحقيق التنمية السوسيو- اقتصادية لهذه المدينة المتحفية، والحفاظ على موروثها المادي الذي يعكس عظمة ماض معماري تليد وعراقة خبرة فريدة في المجالات الثقافية والحضرية والاجتماعية.
وقد قام العاهل المغربي الملك محمد السادس بتوشيح عدد من الشخصيات التي ساهمت في إنجاز عمليات ترميم ورد الاعتبار للمدارس العتيقة بالمدينة القديمة لفاس، والذي أعطى انطلاقته سنة 2013.
وشيد جامع/ جامعة القرويين عام 859 ميلادية، على يد فاطمة الفهرية المنحدرة من القيروان بتونس حاليا، وبني في البداية على مساحة صغيرة، قبل أن يتم توسيعه وتزيينه وترميمه، في فترات متلاحقة من التاريخ، وبتعاقب الدول التي تعاقبت على حكم فاس والمغرب.
وظلت القرويين قطبا تعليميا مهما ومركزا للمعرفة العلمية والدينية في العالم الإسلامي، منذ تشييدها، حيث استقطبت منذ إنشائها العديد من العلماء، منهم الفلاسفة ابن رشد وابن باجة ومؤرخون مثل ابن خلدون وأطباء فلاسفة مثل ابن ميمون وجغرافيون مثل الشريف الإدريسي، ومتصوفة مثل ابن حزم وعبدالسلام بن مشيش وغيرهم كثير.
وتأتي هذه المعالم التاريخية التي تم افتتاحها بعد خضوعها لأشغال الترميم، لتعزيز الصبغة الدينية التي تكتسيها مدينة فاس باعتبارها الحاضرة الأكاديمية والروحية للمملكة. وبعد 12 قرنا لا تزال القرويين في فاس، تؤدي دورها كإحدى أقدم الجامعات في العالم.