اردوغان يبسط سلطته على تركيا
لم تكن نتيجة الاستفتاء التركي حول توسيع السلطات الرئاسية هي التي توقعها الرئيس رجب طيب اردوغان. فقد جاءت النتيجة التي أعلنتها لجنة الانتخابات متقاربة للغاية، الأمر الذي دفع المعارضة إلى اتهام السلطات بالتلاعب في نتيجة الاستفتاء والتشكيك فيها.
ويبدو أن حزب العدالة والتنمية الحاكم لم يقدم الأداء الجيد المتوقع، حيث من الواضح أن أنصاره شعروا بخيبة أمل، نظرا لأن النتيجة لم تكن انتصارا مدويا وحاسما، وإنما كشفت عن وجود دولة منقسمة على وشك الخوض في تغيير جذري ومثير للجدل بدرجة كبيرة.
وكان الاستفتاء الأخير الذي أجري في عام 2010 بشأن الإصلاحات قد حصل على دعم بنسبة 58 بالمئة، ولكن هذه المرة حصلت التعديلات الدستورية على تأييد حوالي 51 بالمئة فقط من الناخبين.
وقالت الميرا بيراسلي الأستاذة في كلية بارد في نيويورك “كانت هذه ضربة كبيرة لحزب العدالة والتنمية، فازوا بهامش ضئيل للغاية”. وتابعت “لا يزال لديك نصف دولة صوتت بـ(لا)، لا أعتقد أن اردوغان يمكن أن يتجاهل حقيقة أنه خسر مدن اسطنبول وأنقرة وازمير” أكبر المدن التركية.
وكانت النتيجة أكثر إثارة للدهشة بالنظر إلى بيئة الحملة الانتخابية، فقد كانت وسائل الإعلام في تركيا تخضع إلى حد كبير لسيطرة الحكومة وترويجها للاستفتاء، كما كان لحالة الطوارئ المستمرة منذ محاولة الانقلاب في العام الماضي تأثير.
وأوضحت بيراسلي “الناس يشعرون بالخوف، هناك جو من الخوف”، مشيرة إلى عملية تطهير مؤسسات الخدمة المدنية، والتي شهدت إقالة أكثر من 100 ألف موظف.
كما اعتقلت السلطات حوالي 50 ألف شخص متهمين بالتعاطف مع مدبري الانقلاب أو المسلحين الأكراد. ومن بينهم صحفيون وبرلمانيون من المعارضة.
ويقول هوارد إيسنستات الأستاذ المشارك في التاريخ بجامعة سانت لورانس في نيويورك: “إن الهامش الضئيل في الانتصار مثير للدهشة”. وتابع “أعتقد أنه من الواضح، نظرا للضغط الذي شاهدناه خلال الحملة والنتيجة، أنه في بيئة أكثر حرية، كان هذا الاستفتاء سيخسر بكل بساطة، ولكن النقطة كلها هي أن الاستفتاء يهدف إلى تعزيز السلطة، وليس توسيع المشاركة”.
وقد حذرت المعارضة من أن توسع السلطات الرئاسية سيقوض بشدة الضوابط والتوازنات ويقلل من دور البرلمان ويضر باستقلال القضاء. وكان أردوغان قد ركز على تعهده بتحقيق الاستقرار والازدهار.
من جانبه، يقول أوزغور أونلوهيسارسيكلي مدير مكتب أنقرة بصندوق مارشال الألماني “أعتقد أن هذه النتيجة ستزيد الاستقطاب في تركيا.. لذلك أعتقد أن هذا سيكون استقرارا للحكومة على حساب الاستقرار الاجتماعي”.
وأشار إلى جانبين سلبيين رئيسيين للحملة، حيث قال إن أردوغان استخدم موارد الدولة على نطاق واسع لتنظيم تجمعات ضخمة لمعسكره؛ وتم بث تجمعاته بالكامل على التلفزيون الحكومي والخاص، بمعنى أنه كانت هناك ساعات من الخطب يوميا تقريبا.
كما أن المعارضة، التي حرمت إلى حد كبير من أي حيز في وسائل الإعلام، وجدت نفسها في بعض الأحيان محرومة من حق تنظيم تجمعات من جانب السلطات المحلية الموالية لأردوغان والتي استفادت من حالة الطوارئ.
وأضاف أونلوهيسارسيكلي “إذا لم يتمكن الناس من عقد اجتماعات فإن الانتخابات ليست حرة حقا”.
وهناك شكوك قوية في صحة النتيجة في دوائر المعارضة. وقال ميرال أكسينر، وهو قومي شارك بقوة ضد اردوغان خلال الحملة الانتخابية، إن لجنة الانتخابات “ارتكبت جريمة”.
وسمحت الهيئة الانتخابية بإحصاء الأصوات حتى التي كانت تفتقر إلى أختام صحيحة تبين أنها لم يتم التلاعب بها. وشبه رئيس حزب الشعب الجمهوري اليساري، كمال كيليتشدار أوغلو، ما حدث بتغيير قواعد اللعبة في منتصف المباراة.
وأشارت اسلى ايدينتاسباس، من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أيضا إلى أن “المراقبة كانت مشكلة كبيرة” خلال التصويت. وأبلغ مراقبو الانتخابات عن مشاكل في مراقبة العملية الانتخابية داخل مراكز الاقتراع.
وتابعت أيدينتاسباس أن هذا جاء على رأس حملة اتسمت بالتخويف. وأوضحت “اردوغان حصل على ما أراد، ولكن ليس بالطريقة التي أرادها. لقد أراد فوزا بهامش أوسع. المواطنون يتساءلون الآن عن شرعية العملية… هناك رسالة واضحة للغاية من الناخبين، ولم يعطوه تفويضا قويا للغاية”.
والسؤال الكبير هو كيف سيفسر أردوغان نفسه النتيجة. ربما يقرر اتباع نصائح بعض المؤيدين لحزب العدالة والتنمية، الذين اعتبروا النتيجة علامة تحذير.
وفي الوقت نفسه، يرى البعض النتيجة على أنها تثبيط أو تهدئة لمشاعر أردوغان المعادية لأوروبا التي أعرب عنها مرارا خلال الحملة، بما في ذلك وصفه للألمان والهولنديين بأنهم نازيون.
وأعرب الاستاذ الجامعي ايسنستات، عن شكوكه في تحقيق مصالحة في الداخل أو في الخارج قائلا “هناك فائدة سياسية كبيرة من إبقاء التوترات عالية”.
وكانت أول العلامات على ذلك واضحة على الفور. فبعد إعلان الفوز في الاستفتاء، تعهد اردوغان بإعادة تطبيق عقوبة الإعدام. ومن المرجح أن تؤدي هذه الخطوة إلى إنهاء محاولة أنقرة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
من جانبها، اقترحت ايدينتاسباس أن تلتزم أوروبا الحذر في التعامل مع تركيا وتزيد من التواصل معها قائلة إن “أغلبية الشعب لم تبعث برسالة مفادها أن أوروبا هي العدو… لا يجب معاقبة الشعب التركي بسبب السياسة المناهضة لأوروبا التي ينتهجها الرئيس”.