الإسلام في الإنتخابات الفرنسية: غريب، ومشكلة، ومتوافق مع قيم الجمهورية
حققت لوبن، التي تركز في خطبها الانتخابية على الهجرة والهوية و”خطر الإسلام” على فرنسا، نتيجة تاريخية بـ17.9 بالمئة في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية السابقة (2012)، دفعت المرشح نيكولا ساركوزي إلى استعارة خطاب لوبن اليميني المتطرف في الدورة الثانية من الانتخابات التي واجه فيها الاشتراكي فرنسوا هولاند.
لكن الأجواء في تلك الفترة كانت مختلفة عن أجواء الحملة الانتخابية لرئاسيات 2017، لذلك لم يتجاوز تأثير خطاب المرشحين عن البرقع والنقاب والإسلام في فرنسا الدورة الأولى، فيما انتهت جولة الإعادة بحسم النتيجة لصالح هولاند، الذي دعا في برنامجه الانتخابي إلى الاتحاد من أجل انتعاش الإنتاج. وأيد انسحاب القوات الفرنسية من أفغانستان بنهاية عام 2012. واقترح حذف كلمة “عرق” من الدستور.
لكن مع حلول موعد الانتخابات الرئاسية لسنة 2017، اصطدم هولاند بنسب قبول هي الأدنى في تاريخ البلاد، فقرر عدم الترشح لولاية ثانية. فقد تغير الخطاب ولم يعد الحديث عن الدين الثاني في فرنسا مزايدة انتخابية، ولا يتجاوز تأثيره على الناخبين عتبة الدورة الأولى.
وبين من يرى في الإسلام “جسما غريبا” عن المجتمع الفرنسي، وبين من يعتبر أنه “يتوافق مع قيم الجمهورية”، تتنوّع مواقف مرشحي الرئاسة الفرنسية إزاء موضوع يشكّل محور حملاتهم الانتخابية ونقطة محددة لنوايا التصويت.
يساري راديكالي يدافع عن الإسلام
تحسب لمرشح اليسار الراديكالي جان لوك ميلونشون بعض المواقف الإيجابية حيال الإسلام، حتى أنه لطالما هاجم لوبن متهما إياها بمهاجمة المسلمين الأصوليين بشكل حصري وممنهج.
وبالنسبة له، فإن الأصولية ليست سوى “حفنة من المتعصبين ضمن استمرارية الأصولية الكاثوليكية واليهود المتعصبين والبوذيين المنتفضين والإنجيليين الغاضبين”.
وغداة الهجمات الإرهابية التي استهدفت في 13 نوفمبر 2015 العاصمة الفرنسية باريس، أبدى المرشح موقفا حاسما حيال الإسلام، وسط الهجمة الشرسة التي طالت الدين في ذلك الحين.
وشدد في تصريحات تلفزيونية على أنه “ينبغي التأكيد بقوة أنه لا علاقة للإسلام بهذا (…) إنها إهانة كبيرة لمسلم أن يشار إليه بالضلوع في مجازر مماثلة”.
ويعتبر ميلونشون المرشح الوحيد الذي تطرق إلى “الطابع التجاري للتطرف الإسلامي”، معتبرا أن “التجار في مثل هذه الحالة يوظفون الدين الإسلامي لكسب المال”.
داعش ليس الإسلام
حين سئل إيمانويل ماكرون عن الإسلام تطرق إلى “التماثل في العلاقة بين الجمهورية والأديان، في مسار شبيه بالذهاب والعودة”.
ويستعرض ماكرون المسألة على الشاكلة التالية “لا يوجد أي توحيد في فرنسا، ولذلك لا وجود لأي إشكال يطرحه أي دين (…) هناك سلوكيات تطرح اليوم إشكالا لدى البعض من مواطنينا من المسلمين”. وتوضيحا لموقفه، أضاف «لدينا عدو وهو داعش، لكن التنظيم ليس الإسلام»، مشددا على «تساوي مكانة جميع الأديان في المجتمع الفرنسي».ويتبنى المرشح قناعة بأنه، ولئن تظل المدرسة مساحة محايدة بالنسبة للقاصرين، إلا أنه «بإمكان الشخص أن يعتنق ديانة معينة في الجامعة»، بما أن الأخيرة تعد مجالا للتعبير عن الرأي والانتماء.
الإسلام يتوافق مع الجمهورية
الرؤية التي يتبناها مرشح اليسار الفرنسي بنوا آمون حيال الإسلام تتشابه إلى حد كبير مع طرح ماكرون. ويعتبر آمون أن “العلمانية تشهد تراجعا في فرنسا، والعلمانية لا تتعارض مع الدين، كما أن بلادنا تضم العديد من الثقافات، وهنا تكمن قوتها”.
وحول حظر ارتداء الحجاب في الجامعة، أعرب المرشح غداة فوزه بالانتخابات التمهيدية للاشتراكيين، في يناير الماضي، عن رفضه الجازم لاستخدام مصطلح «الطائفية» الذي يخفي وراءه «رغبة في القول إن الإسلام لا يتوافق مع الجمهورية”. وأضاف “من غير المقبول الاستمرار في خلق قضية في المجتمع الفرنسي من إيمان الملايين من مواطنينا”.
وبالنسبة له، فإن «الإشكال يكمن في معرفة كيف أن ممارسة سلمية للإسلام بوسعها التوافق مع قيم الجمهورية»، معترفا في الآن نفسه بأنه «لن تكون هناك منظمات للإسلام في فرنسا دون حوار مع الدول التي تظل مهدا لهذا الدين”.
الإسلام جسم غريب
عند كتابة كلمة «إسلام» على موقع الجبهة الوطنية الفرنسية، يعرض محرك البحث الداخلي للموقع 556 مقالا، ما يترجم الاهتمام المحوري الموجه لهذا الموضوع لدى الحزب وزعيمته اليمينية المتطرفة مارين لوبن.
تعتبر لوبن، التي تصر على اعتبار الإسلام والهجرة ثنائية غير قابلة للتجزئة، أن الإسلام «جسم غريب عن فرنسا».
وأشارت إلى أنه «من الواضح أنه لن يتم التوصل إلى أي حل للأسلمة والطائفية دون وقف فوري للهجرة الجماعية”.
لكن في ما يتعلق بالسؤال «هل يتوافق الإسلام مع الجمهورية الفرنسية؟»، تأتي ذات الإجابة من لوبن “أعتقد نعم، شريطة أن يكون إسلاما بلمسة علمانية من قبل التنوير مثل بقية الأديان”.
وأوضحت أن الكاثوليكية لا تفرض رموزا دينية واضحة، في حين أن “الحجاب ومتطلبات أماكن العبادة (…) يتناقضان مع ثقافتنا”.
إشكال مرتبط بالإسلام
حين سئل فرنسوا فيون، في سبتمبر الماضي، عن الإشكال الذي يطرحه الجدل حول الدين في بلاده، أجاب حاسما “لا وجود لإشكال ديني في فرنسا، لكن هناك مشكلة مرتبطة بالإسلام”.
ولفت في تصريحات وصفتها الصحافة المعتدلة في فرنسا بـ “الصادمة”، إلى أن “العدو يتمثل في الشمولية الإسلامية، وأن الأخيرة تهدف إلى خلق ظروف اندلاع حرب عالمية ثالثة”.
لم يتردد فيون الذي بدا خارج المنابت الأيديولوجية المتعارف عليها لليمين ووسط اليمين، في المرور إلى الهجوم، قبل فترة قصيرة من تمهيدية اليمين للرئاسية الفرنسية، ليصدر كتابا بعنوان «قهر الشمولية الإسلامية» طالب فيه بترحيل فوري ودون رجعة للأجانب المسلمين ممن يشكلون تهديدا للأمن الفرنسي.