القمة العربية و الواقع العربي
بسبب تردي الواقع العربي عموما، وهذا ليس بالجديد، تتجه أصابع الاتهام بالتقصير إلى جامعة الدول العربية، أولا لأنها العنوان الأبرز في واجهة مقر لبناية تضم دول أمتنا، وثانيا لأنها الجزيرة الصغيرة الطافية والبادية للعيان من حلم أمتنا العربية في الوحدة، حلمٌ غاطس في بحر من الألم والحسرة واليأس؛ لهذا نرميها دائما بالحجر ونلقي عليها غضبنا كأفراد وشعوب وحتى مسؤولين ونخبة عقول وكفاءات، في لهفة استغاثة لمحاولة انتشالنا الجماعي من حقبة التدهور والتراجع.
هي محاولة فيها حب وأمل يتداخلان مع الخصام والعتب، كأنها أم تركت أبناءها في حيرة لقلة حيلتها بحثا عن لغة تجمع شملهم وتسد جوعهم وتهدئ من شغبهم بعد أن خفت بريق حضورها وأيضا غيابها المليء بالخيبات لها ولهم؛ ولكنهم أو بالأحرى لكننا نعود إليها دائما رغم أننا جميعا كدول، أصبحنا شبابا وكبارا وتجاوزنا على عهودنا لها عندما أقسمنا يوم تأسيس العائلة أن نعود لها كجامعة لنا، نحتمي بها ونجلس إليها لنتحاور، ليس في همومنا ومشاكلنا فقط، إنما في كيفية الإخاء والتعاون للنهوض بحياة وكرامة الأم، الأمة.
مؤتمر القمة العربية في دورته الـ28 يعقد في العاصمة الأردنية عمان برعاية جامعة الدول العربية. العناوين البارزة على جدول الأعمال تتناول مكافحة الإرهاب والتدخل الإيراني في المنطقة، وكلاهما عنوان واحد، فالإرهاب وملالي طهران بينهما رباط “مقدس خاص” يستهدف تدمير الإرث الحضاري للأمة العربية المتمثل بقواعدها وقيمها التي عاشت في ظلها كل الأديان والقوميات والإثنيات لقرون متتالية.
نأمل أن يكون سقف المواجهة أعلى من الدعوة إلى إقامة أو اقتراح حوار عربي إيراني؛ لأن ذلك سيوصل لإيران بنظامها السياسي رسائل خاطئة، نظام تقوده عقلية مزدوجة المصالح وتبادلية الخطاب بين القومي والمذهبي وبين الظاهر والباطن وبين جمع المتناقضات في ظاهرة استثنائية دفع العالم بسببها، وفي مقدمته العرب، ثمنا مكلفا، وسيدفعون أكثر إذا لم يتداركوا ما وصلوا إليه من نتائج مروعة تؤكدها الأرقام والإحصاءات للقضايا المؤثرة. أي طرح لفكرة الحوار مع تنظيم دولة ولاية الفقيه وفي هذه المرحلة سيترجم بالضعف والمهادنة والقبول بإرهابها كواقع إرهاب القاعدة أو داعش وغيرهما من التنظيمات المتشددة.
من منطلق القوة، والقوة المستندة على الحزم، والعزم والتوكل بعد التدبر والتدبير والوقوف على المتغيرات واعتمادها وتدعيمها، لتنفيذ فكرة العزل والتطويق لنظام الولي الفقيه وصادراته، دون المساس بالعلاقات التاريخية والجغرافية مع إيران وشعوبها التي تربطنا بها مشتركات أصبحت غائبة بفعل ممارسات الملالي الذين أوغلوا في جرائمهم وفكرهم الظلامي على الداخل الإيراني وقواه الإنسانية والسياسية، على حد السواء مع ما اقترفوه من صناعة الإرهاب وصناعة ما هو أخطر منه، أي تأسيس مدرسة الإرهاب لتخريج المجموعات المسلحة ونعني بها تربية الأجيال في مدرسة الانقسام الطائفي والمذهبي.
الحوار بين العرب والدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم، لن يكون إلا بالتطبيقات على الأرض ومطالبتها بسحب ميليشياتها والكف عن تدخلها في شؤون الدول العربية؛ الحوار نعم ضروري وبنّاء وحضاري مع من نختلف معهم، لكن مع النظام الإيراني الأمر مختلف، والعرب لن يلدغوا من جحور جديدة بعد العراق وسوريا واليمن ولبنان والبحرين.
لمعالجة الإرهاب تقع على عاتقنا واجبات جوهرية وأساسية طويلة الأمد وأخرى آنية ومستعجلة. المهمة الأخلاقية للأسرة العربية التي ينبغي الاعتراف بها في القمة وتحت شعار جامعة الدول العربية، هي أن الإرهاب قضية تربوية بالأساس من نوعية المدارس والبناء، إلى حياة الطلاب والتلاميذ الصغار، إلى المناهج وما فيها من ألغام وهفوات وفجوات تتكتل فيها الأفكار الصغيرة والأوهام والكراهية واحتقار الآخر أو التقليل من شأنه، وأيضا انفصام الثقة بين ما هو مكتوب ومثالي وبين واقع الفوارق الطبقية في البلد الواحد أو بين البلدان العربية، ومعه انتشار الجوع والفقر والبطالة وزوال روح العائلة المستقرة بحدودها الدنيا، الأرقام تشير إلى ارتفاع ملحوظ يتراوح بين 30 و40 مليون إنسان تحت خط الفقر من عدد إجمالي السكان الذي بلغ تعداده 410 مليون نسمة في الوطن العربي.
في مقدمة معوقات الوحدة المستدامة هو عدم التكامل الاقتصادي العربي ومنها فشل كل محاولات الوحدة، حتى بين دولتين شقيقتين. إذا تجاوزنا طبائع الأشخاص في الاستئثار والاستبداد والزعامات، كانت الفوارق بين الدخول القومية للدول العربية التي تبعث على الإحساس بالغبن في توزيع الثروات؛ في حاضرنا حدثت طفرات في الانفتاح والاستثمار وزوال تأثير الحدود من قاموس انتقال الأموال والبضائع حتى أصبحت أعداد السكان والعاطلين نقاط جذب للمشاريع الاقتصادية وسوقا لا ينضب من الأرباح والعمل والتطور المستمر.
معضلة اللاجئين والنازحين تتجاوز الـ15 مليون مواطن عربي، 75 بالمئة من اللاجئين في العالم هم من العرب؛ ما يقدم لهم من المساعدات لا يكفي احتياجاتهم وهم تسببوا لبلدان اللجوء العربية ونتيجة لأعدادهم المتزايدة بضغوط هائلة على اقتصاد البلدان المضيفة؛ ولأن الحلول غائبة والمأساة متعاظمة ينبغي البحث عن حلول في خدمة الطرفين أي اللاجئين وبلدان اللجوء، فمع صعوبة العمل بسبب القوانين المنظمة تكون المساعدات المستمرة عبئا على الدول المانحة مع ازدياد حالة اللاجئين تدهورا في العيش والصحة والتعليم. الهدر في الأموال يمكن معالجته باستثمار المساعدات في المشاريع الإنتاجية المهمة وهي خدمة يتجاوز فيها الجميع مشاكلهم، وعند الانفراج تتحول إلى قواعد أساسية لتنمية الدول المضيفة.
التحديات الوجودية التي تواجه العرب تبدأ بتفعيل بند الإصلاح وأهمها إعادة الحياة والدور الفاعل إلى الجامعة العربية، فمن غير المعقول أن تكون ميزانية الاتحاد الأفريقي أضعاف ميزانية جامعتنا المتهمة منذ الخمسينات بأنها لم تجمعنا وحتى الآن، رغم أن بإمكانها القيام بدور حاسم في التجارة والاقتصاد بين الدول العربية في ما بينها وبين العالم أيضا، وفي إثراء تربية الأجيال واحترام العلم والعلماء.
التوجه إلى البحث العلمي وأولوية التنافس في معايير تقدم الشعوب، ورقم 2900 براءة اختراع فقط للعرب مقابل أكثر من 20 ألف براءة اختراع لدولة بعدد سكان 50 مليون نسمة، يدلل على مستقبلنا المنظور كأمة عليها التزامات وتحديات حضارية واستراتيجية تتعلق بالتهديدات الأمنية والأبعاد النووية بما يستوجب قراءة الأحداث بدقة فائقة.
الاهتمام بالسلام في المنطقة من الثوابت للعرب وقادتهم وليس من مصلحتنا السقوط في فخ التهديدات بين طرف وآخر إلا بما يحقق إعادة الاستقرار للأمن القومي العربي والإقليمي، وتحديد هويتنا العربية بمنأى عن التهور الطائفي لتفويت الفرصة على النظام الإيراني في محاولته جر المنطقة إلى نزاع مذاهب متقابل، وعدم التفريط بأي عربي لصالح تنظيم الإرهاب الدولي الذي تمثله إيران، وإحياء المبادرة العربية وطرحها كموقف يتوافق مع التوجه الدولي لحل قضية العرب المركزية التي تراجعت بفعل المخطط الإيراني وتمدده على الأرض العربية، ومحاربة الفساد المستشري في الوطن العربي وهو الأعلى في نسب الفساد في العالم، ومعالجة الخسائر في الناتج المحلي العربي وهو بمئات المليارات من الدولارات.
قمة الأردن، قمة العرب لوضع حد لمجزرة وإبادة أودت بـ1.5 مليون قتيل عربي خلال الأعوام الأخيرة. قمة لإنقاذ المدن العربية. قمة إنقاذ مصير أبناء هذه الأمة وأجيالهم، وذلك لن يكون إلا بإرساء السلام الدائم المبني على قوة الإرادة وتأسيس الصلة بالحياة، ومنح الفرصة للمواطن ليجدد ثقته بأمته وغدها وبمشاعره بالانتماء الفخور لها ولجامعتها التي تجمعنا لو توفرت لدولنا أو قادتنا قدرة الإصغاء لصوت أسرة عربية أغلقت على نفسها الباب من خوف ومن جوع إذا كان لها باب، بانتظار فجر يوم آخر، يوم في قمة نهار مختلف فيه عناصر التفكير أعمق بكثير من عناصر الكلام.