شباط يسبح ضد التيار
يعيش زعيم حزب الاستقلال المغربي حميد شباط في الآونة الأخيرة وضعا لا يحسد عليه. ما بين مفاوضات تشكيل الحكومة التي خرج منها حزبه خالي الوفاض، إلى حرب داخلية داخل الحزب، وضع معقد أضيف إليه مطلب وزارة الداخلية بالتحقيق معه.
طالبت وزارة الداخلية المغربية وزارة العدل والحريات، بالتحقيق مع الأمين العام لحزب الاستقلال حميد شباط على خلفية مقال نشر على الموقع الإلكتروني الرسمي لحزبه عنوانه “ماذا يريدون من الأمين العام لحزب الاستقلال؟”، في إشارة إلى شباط. وهذا المقال الذي يشكك في حوادث وفاة زعماء سياسيين في السنوات الأخيرة.
وعلى الرغم من أن المقال غير المُوقَّع سحب من الموقع ساعات بعد نشره، وأن الحزب نشر بيانا رسميا يتبرأ فيه مما نشر ويقول إن أجهزة الحزب هي الوحيدة التي تملك الحق في التعبير عن مواقف الاستقلال الرسمية من “خلال بيانات أو بلاغات”، فإن وزارة الداخلية المغربية، توجهت إلى وزارة العدل والحريات من أجل التحقيق مع شباط في الموضوع. وكان الأمين العام لحزب الاستقلال لمح إلى موضوع “الموت غير الطبيعي”.
والمقال الحاد اللهجة، الذي نشر في موقع الحزب، لمّح إلى إمكانية تصفية شباط جسديا و اتهم جهات في الدولة بالسعي إلى الإطاحة بالأمين العام للحزب، مشككا في الرواية الرسمية لحادثتي وفاة كل من الرئيس السابق للفريق البرلماني لحزب “الاتحاد الاشتراكي” أحمد الزايدي ووزير الدولة السابق عبد الله باها (حزب العدالة والتنمية) في منطقة وادي الشراط – ضواحي العاصمة الرباط- بعد انحراف سيارة الأول على قنطرة تعبر الوادي وغرقه، والثاني دهسا بالقطار في نفس موقع وفاة الزايدي أياما بعد ذلك. وتقول الرواية الرسمية إن باها أتى ليتعرف على مكان وفاة الزايدي مساء ولم ينتبه إلى القطار الذي كان يعبر المكان فدهسه.
وورد في المقال المحذوف: “الذين يعتقدون أنهم يتحكمون في اللعبة السياسية يعتبرون أن مرحلة التخلص من حميد شباط قد حانت، وهو ما يحيل إلى “أساليب واد الشراط” كأسلوب مغربي/ مغربي للتخلص من السابحين عكس التيار. وطبعا، المقصود بأساليب واد الشراط جميع الأشكال، التي تكتسيها التصفية الجسدية، والمعنوية، والمجتمعية لشخص ما: ابتداء من التصفية الجسدية عن طريق واد الشراط”.
وتأتي هذه التطورات في وقت يحارب فيه شباط وحيدا على جميع الجبهات. فمفاوضات تشكيل الحكومة، التي لم يفلح إلى حد الآن حزب “العدالة والتنمية” في تشكيلها، أقصته. أما مساعي “العدالة والتنمية”، الفائز بالانتخابات الأخيرة لمجلس النواب والذي كان توافق مبدئيا مع “الاستقلال” على الالتحاق بالفريق الحكومي، فتعطلت بسبب رفض حزب “التجمع الوطني للأحرار” أن يلتحق بحكومة يتضمن تحالفها الاستقلال .
“البلوكاج الحكومي” (تعطيل الحكومة) كما يسمى في المغرب، دفع رئيس الحكومة المكلف عبد الإله بن كيران إلى التخلى عن الاستقلال، بعد ضغوط مارسها حزب الأحرار بمعية أحزاب لم تحقق نتائج مهمة في الانتخابات كالاتحاد الاشتراكي .
وإخراج حزب “الاستقلال” من معادلة الحكومة، انضافت إليها زلة لسان لقيادي بالحزب تجاه الجارة موريتانيا التي وصفها بالتابعة تاريخيا للمغرب (وكانت هذه من أطروحات الحزب في الخمسينيات من القرن الماضي) وهو ما جرّ عليه الكثير من الانتقادات. تصريحات شباط وجدت ردود أفعال غاضبة في الجارة الجنوبية للمغرب، دفعت الملك محمد السادس إلى بعث عبد الإله بن كيران إلى نواكشوط من أجل التذكير بسياسة حسن الجوار بين البلدين ولتهدئة الخواطر.
لكن تصريحات شباط إياها، فتحت أبواب صراع داخلي جديد حول الزعامات داخل حزب “الاستقلال”، أعرق الأحزاب المغربية. فقد أصدر 38 قياديا من الحزب من ضمنهم الأمينان العامان السابقان محمد بوستة وعباس الفاسي بيانا انتقد تصريحات شباط ووصفه بأنه غير مؤهل لقيادة الحزب. بينما خرج المستشار الملكي الطيب الفاسي الفهري، بشكل غير معهود لدى المستشارين الملكيين المعهود فيهم التكتم، على “القناة الأولى” المغربية لانتقاد شباط وتصريحاته حول موريتانيا.تصريحات الفهري رأى فيها البعض ردا على شباط.
هذا الأخير، وفي إطار الصراع الداخلي في “الاستقلال”، أوقف عبر اللجنة التأديبية للحزب، كلا من “توفيق احجيرة وكريم غلاب وياسمينة بادو” (زوجة أخ الطيب الفاسي الفهري) وهم جزء من تيار داخل الحزب، يرغب في استعادة أجهزته من قبضة شباط الذي انقلب على الأمين السابق عباس الفاسي سنة 2012 وانتزع منه قيادة الاستقلال.
وحملة التشهير بشباط وصلت إلى بعض الجرائد. لكن الأخير، لم يستسلم، ونشر فيديو على صفحة الحزب في فيس بوك، لما وصفه شباط بأنه جرد لكافة ممتلكاته وأرصدته البنكية.
ودعا حميد شباط الذي وصل إلى قيادة “الاستقلال” بمساندة نقابة “الاتحاد العام للشغالين بالمغرب” التي كان زعيمها لسنوات، في الأيام الأخيرة عبر مقربين منه إلى إعادة الانتخابات في نقابات قطاعية، يهيمن عليها معارضوه، فيما يبدو أنها معركة الزعامة وكسب المواقع الإستراتيجية، داخل أقدم هيئة سياسية في المملكة المغربية.