العنف ضد النساء بالمغرب
رغم التشريعات التي تعمل على التصدي للعنف ضد المرأة في المغرب، بالإضافة إلى المكانة التي أصبحت تتبوؤها المغربية داخل المجتمع، إلا أن ظاهرة العنف ضد النساء مستمرة بأدوات وطرق متعددة، ومنها العنف الذي تتعرض له المرأة في الشارع، سواء على مستوى العنف اللفظي أو الجسدي.
دعت بسيمة الحقاوي، وزيرة التضامن والأسرة والتنمية الاجتماعية، إلى المصادقة على قانون 13-103 المتعلق بالعنف ضد النساء على أساس أنه آلية قانونية أساسية لمحاربة هذه الظاهرة، مشيرة إلى أن الإفلات من العقاب يعد أحد أهم الأسباب التي ساهمت في تفاقم العنف ضد المرأة، كان ذلك خلال ورشة عمل في إطار مشروع “الرباط، مدينة آمنة، بدون عنف تجاه النساء والفتيات”، عقدت الثلاثاءبالرباط.
وبعد ثلاث سنوات من اقتراح مشروع قانون يتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، صادقت عليه الحكومة المغربية في مارس 2016، ويعتبر هذا القانون فريدا من نوعه بالمغرب حيث يستند إلى الحقوق التي كرسها دستور المملكة الذي نص على المساواة والنهوض بحقوق المرأة وحمايتها وحظر ومكافحة كل أشكال التمييز.
وحصن الدستور المغربي المواطنين من كل أنواع العنف الممارس ضدهم، حيث اعتبر الفصل 22 أنه “لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة، ولا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية”.
ويؤكد الفصل ذاته على أن “ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد، جريمة يعاقب عليها القانون”.
وقالت الحقاوي إن التقرير الذي أصدره المرصد الوطني للعنف ضد المرأة أفاد بأن 53 بالمئة من العنف الجسدي و66 بالمئة من العنف الجنسي ضد المرأة يمارسان في الأماكن العمومية، مؤكدة أن ظاهرة العنف ضد النساء تعني مختلف المتدخلين من القطاعات الحكومية والمجتمع المدني، وأيضا الشراكات مع المنظمات الدولية.
وأشار التقرير السنوي الأول للمرصد الوطني للعنف ضد النساء، الذي صدر في يوليو الماضي، إلى أن العنف الجسدي ضد النساء سجل ارتفاعا ملحوظا بين سنتي 2013 و2014، حيث انتقلت نسبته من 54.8 إلى 63.3 بالمئة.
وتقول معطيات وزارة العدل والحريات إن الاعتداءات الجسدية قد ارتكبت بشكل رئيسي من قبل الرجال بنسبة تبلغ 88 بالمئة سنة 2014، في حين 11.4 بالمئة فقط من النساء البالغات ارتكبن أفعال عنف جسدي ضد نساء خلال السنة نفسها.
وينص مشروع قانون محاربة العنف ضد النساء على “تمييز وحصر الأفعال العنف ضد النساء وتجريمها وفرض العقوبات اللازمة وإحداث آليات للتكفل بالنساء ضحايا العنف”.
واعتبرت ليلى الرحيوي، ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة بالمغرب العربي، أن هذه المبادرة، التي تشمل 22 مدينة حول العالم، ترمي إلى إيجاد مقاربات من أجل جعل الفضاء العمومي أكثر أمانا، موضحة أنه في ما يتعلق بالمغرب تفوق نسبة العنف ضد النساء في المجال الحضري بكثير نسبته في المجال القروي.
وأكدت المسؤولة الأممية أن ظاهرة العنف ضد النساء ظاهرة عالمية وأن المنظمة، من خلال شراكاتها مع القطاعات الحكومية وغيرها، تعمل من أجل الوقوف على سبل تفشي هذه الظاهرة على المستوى الدولي.
ومن جانبه أشار محمد صديقي، رئيس جماعة الرباط، إلى أن العنف الموجه ضد النساء في الأماكن العمومية يعد انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان، معربا عن يقينه أنه لا يمكن بلوغ أهداف التنمية المستدامة دون تعبئة جماعية من أجل حماية حقوق المرأة.
وكان تقرير صادر عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب ذكر في أكتوبر الماضي أن 6.2 مليون امرأة مغربية يعانين من العنف ويحظى ذلك بنوع من القبول الاجتماعي القائم على الإفلات من العقاب الذي يستفيد منه المتورطون في العنف.
وتعرضت فئة العازبات للاعتداء الجنسي بنسبة 53.6 بالمئة سنة 2014، أي 781 حالة. في حين تعرضت 333 امرأة مطلقة للاعتداء الجنسي، أي بنسبة 22.9 بالمئة، وبلغ عدد النساء المتزوجات اللواتي تعرضن إلى هذا النوع من العنف 293 حالة بنسبة تزيد عن 20 بالمئة.
واتفق المشاركون في اللقاء على ضرورة تمكين رجال الشرطة من التدخل في حالات العنف ضد المرأة في الفضاءات العمومية وذلك عن طريق منحهم الصلاحيات اللازمة للتفتيش والتوقيف.
وحسب إحصائيات قدمها تقرير مرصد مكافحة العنف ضد المرأة، يعد الشارع العام من الأماكن التي يمارس فيها العنف الجنسي ضد النساء بشكل كبير، حيث سجل به ما يقارب 66.4 بالمئة من حالات العنف سنة 2014، فيما بلغت نسبة الاعتداءات الجنسية في بيت الزوجية 11.5 بالمئة، وسجلت نسبة 5.9 بالمئة من الاعتداءات الجنسية في أماكن العمل خلال السنة نفسها.
وقطع المغرب أشواطا مهمة في العمل على تمكين المرأة من حقوق على كافة المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية توجت بما جاءت به مدونة الأسرة.
ورغم الانتقادات الموجهة ضد مشروع القانون بشأن عدم تطرقه لحالات معينة من العنف ضد النساء كاغتصاب الزوجة والعنف الجنسي، إلا أن هذا القانون، وحسب الخبراء، يشكل مرتكزا جيدا لمقاربة أخرى في التعامل مع الظاهرة العنفية والحد منها.
وأكدت معطيات صادرة عن وزارة العدل والحريات أن أشكال العنف الجنسي، كالتحرش اللفظي والجسدي وجرائم الاغتصاب، شكلت فقط 8.6 بالمئة من مجموع قضايا العنف ضد المرأة المسجلة سنتي 2013 و2014، وقد شكل الاغتصاب نسبة 6 بالمئة سنة 2014 مقابل 8 بالمئة سنة 2013 من مجموع قضايا العنف ضد المرأة.
ويهدف مشروع “الرباط، مدينة آمنة، بدون عنف تجاه النساء والفتيات” إلى تقليص جميع أشكال العنف الجنسي الممارس ضد النساء في الأماكن العامة، وتقوية الشعور بالأمن والأمان لدى النساء في الفضاء العام، وتمكينهن من الاستفادة من حركية أفضل داخل المدينة، ومساعدة السلطات المحلية على محاربة العنف الذي تواجهه النساء بالأماكن العامة، وأيضا وضع تقييم على الصعيد العالمي للآليات للوقاية من جميع أشكال العنف ومعالجتها.