الحكومة المغربية و التلاعب على إرادة الشعب
أضحت المشاورات لتشكيل الحكومة المغربية الجديدة بعد انتخاب الاشتراكي الحبيب المالكي، رئيسا لمجلس النواب (البرلمان)، وبعد عدم توصل الأطراف الحزبية المعنية بالتحالف الجديد، إلى أي توافق يُبدد العراقيل التي تحول دون تشكيل التحالف الحكومي المقبل، أكثر تعقيدا.
فاختيار الحبيب المالكي كرئيس لمجلس النواب، كان بمثابة خلط للأوراق وضرب لحسابات رئيس الحكومة المُكلف عبدالإله بن كيران، ما دفع باتجاه تزايد الحديث حول خيارين إثنين، للخروج من حالة الانسداد الراهن.
ويتعلق الخيار بقبول بن كيران بالشروط المفروضة عليه، والذهاب إلى تشكيل حكومة تضم ستة أحزاب، هي الحزب الفائز بالأغلبية ، أي العدالة والتنمية، والتجمع الوطني للأحرار، والاتحاد الدستوري، والحركة الشعبية، والتقدم والاشتراكية، مع ضم حزب الاتحاد الاشتراكي خصوصا بعد فوزه برئاسة مجلس النواب.
أما الخيار الثاني فهو يتعلق بتشكيل حكومة أقلية تجمع بين حزب العدالة والتنمية وحزبي الاستقلال، والتقدم والاشتراكية.
وعقد عبدالإله بن كيران، الجمعة الماضي، اجتماعا ضم كلا من عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، ومحمد ساجد الأمين العام لحزب الاتحاد الدستوري، وامحند العنصر الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، ونبيل بن عبدالله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية.
وكشفت مصادر سياسية مغربية أن عزيز أخنوش اقترح على بن كيران خلال ذلك الاجتماع، أن تشمل الحقائب الوزارية للحكومة المغربية الجديدة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، غير أن بن كيران رفض ذلك.
و صرح محمد لغروس: التطورات الجارية أضفت حالة من الغموض على مستقبل تشكيل الحكومة
ويُنظر إلى الهدف من إصرار حزب التجمع الوطني للأحرار على إدخال حزب الاتحاد الاشتراكي، وحزب الاتحاد الدستوري إلى جانبه في الحكومة القادمة، على أنه من أجل تحسين تموقع حزب أخنوش في الحكومة، وتحقيق التوازن، وبالتالي تجاوز فرق الـ88 مقعدا بينه وبين حزب العدالة والتنمية.
وفي الوقت الذي يسعى فيه بن كيران إلى استرجاع ثقة حزب الاستقلال، اتهم فيه الأخير رئيس الحكومة المُكلف بإفشال المشاورات، واصفا مواقفه في مواجهة رئيس التجمع الوطني للأحرار والأمين العام لحزب الحركة الشعبية، بـ“المرونة المفرطة”.
واعتبر أعضاء حزب الاستقلال أن السيطرة على مجلس النواب تتم من خلال تكتل تكتيكي واضح الخلفيات، وأن المنخرطين فيه يريدون وضع حد نهائي للسعي وراء تكوين أغلبية كما اقترحها رئيس الحكومة المُكلف.
وفي حديث عن المرحلة التي وصلت إليها المشاورات، قال محمد لغروس مدير موقع “العمق المغربي” الإلكتروني المقرب من حزب العدالة والتنمية، إن “التطورات الجارية أضفت حالة من الغموض على مستقبل تشكيل الحكومة في المغرب، بشكل يفتح الباب على كل التأويلات.
وأضاف أنه “برغم إصرار بن كيران على حكومة من أربعة أحزاب فقط وهي العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار والتقدم والاشتراكية والحركة الشعبية، فإن السيناريو الأقرب هو تشكيل حكومة من أحزاب الأغلبية الحكومية السابقة، إضافة إلى الاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي خاصة بعدما حاز على منصب رئاسة مجلس النواب”.
من جهته يرى الباحث في العلوم السياسية عبدالإله سطي في تصريح له، أن الأوضاع لن تبقى على ما هي عليه الآن من انسداد، ولم يستبعد تدخل أعلى سلطة في البلاد من أجل تحقيق الانفراج.
واعتبر أن ذلك مما سيجبر كافة الأطراف على تقديم تنازلات بالشكل الذي يحفظ ماء وجه الجميع من خلال منطق “رابح رابح”، وذلك لن يتحقق إلا عبر تنازل حزب التجمع الوطني للأحرار وحليفه الحركة الشعبية عن شرط مشاركة حزب الاتحاد الاشتراكي، مع مسانديها المشروطة بضمانات للحكومة، في مقابل إشراك حزب الاتحاد الدستوري داخل التحالف الحكومي بحجة التحالف البرلماني الذي عقده مع حزب التجمع الوطني للأحرار سابقا.
وأضاف سطي أن “ذلك يبقى مجرد تقديرات على درجة نسبية من التحقيق، في ظل تسارع الأحداث وضبابية مشهد المشاورات التي إلى حد الساعة لا نستطع التكهن بالمسارات التي قد تأخذها في الأيام المقبلة، الأمر الذي يمكن إرجاعه بالأساس إلى محددات مجهولة تتحكم في رؤية جل الأحزاب إلى منطق الربح والخسارة من عملية التحالف الحكومي”.
وحول إمكانية نزول حزب العدالة والتنمية إلى المعارضة، قالت سليمة الفرجي، نائبة برلمانية سابقة عن حزب الأصالة والمعاصرة، إن “نزول حزب العدالة والتنمية إلى موقع المعارضة أمر مستبعد، فالسيناريوهات الممكنة في هذه الحالة إثنان؛ هما إما قبول رئيس الحكومة بالاتحاد الاشتراكي ضمن الأغلبية الحكومية، وإما تقديم استقالته”.
وأمام هذا الوضع، تبقى المشاورات معلقة في وقت يصر فيه حزب التجمع الوطني للأحرار على إدخال حزب الاتحاد الاشتراكي إلى الحكومة، وإعلان رئيس الحكومة المكلف بعدم تقديم تنازلات أخرى في هذا الصدد، في انتظار تدخل جديد من الملك سواء باختيار حزب آخر لرئاسة الحكومة أو العودة إلى المربع الأول بتنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها.