الحب في زمن الفايس و السيلفي
كان الليل قد بدأ يغزو مدينة بروكسيل عندما غادرت مقر عملي متوجها نحو السيارة و كانت الشوارع التي اجتزتها وسط العاصمة قد تحولت إلى ما يشبه الكرنفال ، كانت المصابيح الملونة الصغيرة تومض على محيط أشجار الأرصفة التي تسلقت عليها معلنة قرب عيد الميلاد ،كما أن الورود الملونة استقرت بدورها في أحواض أحاطت بأعمدة الكهرباء ، ونهضت مثلها في حدائق صغيرة وأحواض وسط الأرصفة وعلى جنباتها فيما توزعت فرق الموسيقى على منعطفات الشوارع واحتلت جموع الناس بألبستهم وأشكالهم المتباينة وأصوات لغاتهم المختلفة المساحة الأكبر من ذلك المشهد البهي.
لفت نظري وسط كل ذلك الطقس الجميل شاب وشابة في العشرينات من عمرهما. كان الشاب يرفع هاتفه عالياً تأهباً لأخذ صورة سيلفي مع من بدت لي حبيبته، فهي كانت تضمه بقوة وشغف وكان هو يشدها اليه في حالٍ من العشق الواضح، وبدافع من الفضول تابعت المنظر إلى أن انتهى العاشق من التقاط صور متلاحقة. وعلى الفور بدآ يتحاوران بصوت خفيض ارتفع رويداً رويداً إلى أن انتهى ببكاء الفتاة بصوت عالٍ قبل أن تنسحب من أمامه ليبقى واقفاً مكانه في حال غضب وذهول.
هذا المشهد هو واحد من عشرات المشاهد التي صادفتني حديثاً عن أناس يأخذون صور السيلفي وهم يبدون في قمة السعادة والفرح لكني اكتشفت فيما بعد أن هذا الفرح هو من ضمن قواعد الصورة أو بريستيج السيلفي. كما الكثير من الصور لأناس تعلم أنهم على خلاف وغضب مع بعضهم ولكنهم أمام السيلفي يتحولون إلى أعز الاصدقاء والأحباء.
هناك سؤال يطرح نفسه، هل بعضنا يتصنع الحب أمام الكاميرا كي يرانا الجميع أننا سعداء مع أصدقائنا أو شركائنا وأننا في أحسن حال وأننا أقوياء وسعداء؟ أم أننا نتمنى لو كنا كذلك في الواقع كما في الصور؟ اعرف شخصياً أناساً في الصور يملكون كل شيء، الحب والسعادة والصحة والسلام ولكنهم في الواقع تعساء ووحيدون ويعانون من المشاكل المستعصية. طبعاً لا نستطيع التعميم لأن هناك الكثير من الاشخاص الذين يتطابق واقعهم مع صورهم.
كما أننا نعاني من هوس الجمال من خلال صور السيلفي، فكثيرون منا يعدل في صوره بالفوتوشوب لتجميلها وإعطائها الكثير من المؤثرات وجعلها مثل الصور الاعلانية للفنانين أو المشاهير، وكأننا نقول لأصدقائنا انظروا إلى وجهي كم أنا جميلة وسعيدة.
إنها محاولة منا لتأكيد ذواتنا من خلال تضخيمها لنحظى بقبول الآخرين ولنعزز ثقتنا بأنفسنا من خلالهم. مثل هذا فعلته المذيعة البريطانية سوزانا ريد حيث أرادت ان ترسل رسالة واضحة إلى متابعيها من الفتيات بأن نشرت في حسابها على الانستغرام صورتين لها ودعتنا لنقارن بينهما
في الصورة الأولى تظهر كما هي على طبيعتها حيث بدا وجهها شاحباً متعباً وفي الصورة الثانية بدت جميلة ساحرة وبكامل أناقتها وذلك بمساعدة المكياج والفوتوشوب. رسالتها للنساء هي ان يثقن في أنفسهن ولا يجعلن صورة المرأة في الإعلام تحبطهن لأن ما يرينه ليس إلا أقنعة صنعتها التكنولوجية. كل امرأة فيها الكثير من العيوب حتى الجميلات جداً غير راضيات عن أنفسهن لأنهن يعرفن عيوبهن جيداً.
إن الصور تسيطر على مفهومنا للجمال وعلى ثقتنا بأنفسنا وعلى تقديرنا لذواتنا وهي ليست قضية تختص بنا وحدنا كعرب بل هي قضية عالمية يعاني منها جميع الجنسيات.
نحن مخدوعون بأغلب الصور الوهمية التي يخلقها السيلفي مدعوماً بالفوتوشوب. نعرف أنها وهمية ولكننا نصر على أن نعيش الوهم. والبعض يصر على أن هذا الوهم يمكن أن يصبح حقيقة.