دور الأحزاب السياسية الجزائرية في الفساد
على مدى سنوات طويلة والحياة السياسية الجزائرية تعيش ركـودا لا نظيـر له جـراء السيطـرة الكاملة للرئيس عبـدالعزيز بوتفليقة، والنظام الذي يمثله ويدعمه على المشهد السياسي، الأمر الذي كشف بوضوح عن هشاشة الأحزاب السياسية المعارضة، وعن عدم فعالية الشخصيات السياسية التي تتحرك بمفردها دون أي برنامج عمل جاد، يسنده فكر سياسي متطور ونابع من حقيقة واقع الشعب الجزائري.
عمليا أدت كل هذه المعطيات إلى فقدان هذه الأحزاب، كما هذه الشخصيات، للمصداقية داخل الأوساط الشعبية الجزائرية.
أما أحزاب السلطة، التي تمَ اختراعها بعد زلزال العشرية السوداء الذي أصاب البلاد إثر إلغاء جبهة الإنقاذ الإسلامية من الساحة السياسية، فقد اكتفت بدورها بالتمترس وراء الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لتستمد منه علَة وجودها ونفوذها شبه المطلق.
ومن بين نقاط ضعف هذه الأحزاب أنها تحصر علاقتها بالمواطنين في الظهور الشكلي في مـواسم الانتخـابات من جهة، ومن جهة أخرى فإنها لم تقدم للشعب الجزائري أي مشـروع تنموي، مادي أو ثقافي أو تـربوي حـداثي، لتمكـين الجـزائر من الخروج من التخلف البنيوي الذي أصابها.
فما هو التفسير الموضوعي لسيناريو التحالفـات الحزبية التي بـدأت تظهر، مؤخرا، باحتشام في المشهد السياسي الجزائري؟
وهل يستطيع هذا الخليط المتناقض أن يحقق تحالفات استراتيجية حقا، أم أن الذي يحدث الآن من التلويح بتكوين جبهات موحدة هو مجرد تكتلات مؤقتة ذات طابع براغماتي لفترة قصيرة، تنتهي بانتهاء الانتخـابات التشـريعية أو الـرئاسية القـادمة؟
الأحزاب الجزائرية، وفي طليعتهـا أحـزاب السلطة، لا تملك عمقا شعبيا وذلك لسببين أساسيين.
يتعلق السبب الأول بانعدام أي عقيدة حقيقية تؤمن بها هذه الأحزاب وتدافع عنها بالعمل النضالي الملموس في الجـزائر العميقة، وفضلا عن ذلك فإنها قد فرضت على مستوى الهرم الأعلى لقياداتها أسماء معروف أنها من صنع وتربية النظام الحاكم، وكانت مسؤولة في أجهزته المختلفة على مدى سنوات طويلة، وهي لا تختلف قيد أنملة في الجوهر عن قيادات النظام حاليا، وخاصة في جانب محوري هو تشبّع شخصياتها القاعدية بالأفكار التقليدية النمطية المصفحة التي لا علاقة لها بالفكر التنويري الذي تقوم على أسسه الدولة العصرية.
وأكثر من ذلك فإن قيادات الأحزاب المعارضـة، وكـذا أحزاب السلطـة، لا تزال تعيد إنتاج ذهنية الرجل الواحد وثقافة الحزب الواحد اللتين تتسلطان على المناضلين في القاعدة وتكرسان الزعيم الوهمي الأوحد، وبذلك تم تفريغ هذه الأحزاب من الممارسة الديمقراطية ومن فكرة التداول داخل قيادة هذا الحزب أو ذاك جماعيا وبالتداول.
على أساس ما تقدم، فإن الإعلان مؤخرا عن تشكيل تحالفات حزبية على مستوى أحزاب السلطة أو على مستوى أحزاب المعارضة، لن يكون سوى سحابة صيف عابرة لأن هذه الأحزاب لا تملك قضية وطنية كبرى تناضل من أجلها، عدا التهافت على الكراسي في البرلمان، ومجلس الأمة، والحكومة التنفيذية والسلك الدبلوماسي وغيرها من المؤسسات والهيئات، من أجل الامتيازات والمرتب الشهري، وكذا تحقيق المصالح الشخصية المحصورة في النفوذ المادي والمعنوي.
مأخرا أعلن الأمين العام لحزب جبهة التحـرير الوطني الجزائري جمال ولد عباس عن برنامج حزبه لتشكيل تحالف رئاسي جديد يتكون من 12 حزبا.
وخلال هذا الأسبوع أيضا أعلن رئيس حزب العدالة والتنمية الإسلامي الجزائري ، عبدالله جاب الله، عن برنامج تحالف حزبه مع حزب النهضة الإسلامي، كما أعلن أيضا رئيس حزب حركة السلم (المعروف اختصارا بحمس) الإسلامي، عبدالـرزاق مقري، بأنه قرر فتح الباب للتحالف مع حزب التغيير وحزب البناء الإسلاميين.
وهـذا كله يعني أن معركة الانتخابات التشريعية الجزائرية القادمة ستخوضها التكتـلات والتحالفات الحزبية لأحزاب النظام الحاكم في غياب أي إعلان عن تحالف شامل مقابل للأحـزاب الإسلامية المعارضة، أو عن تحالف شامل آخر لما يدعى بالأحزاب العلمانية المعارضة.
الواقع أن هذه التحالفات المجهرية التي تسعى أحزاب المعـارضـة الإسلامية الجزائـرية إلى تشكيلهـا وإنشائها لن يكـون لهـا أي أثر في تغييـر الواقـع السيـاسي الوطني، لأن مبـدأ التحـالف التجـزيئي نفسـه والمعـلن عنه يقـوم على أن يتـم فقـط بين حـزبين هنـا أو بـين ثـلاثة أحـزاب هناك، وهذا يعني، في العمـق، أن التيـار الإسـلامي الجزائري غير موحد أيـديولوجيا مـن حيث الأساس، حيث هناك تيار إسلامي جزائري له عقيدة وطنية تقليـديـة وشعبوية فقـط، وهناك تيـار إسلامي آخر ينتمي تاريخيا وعقائديا إلى منظومة الإخـوان المسلمين العالمية، ويؤمن أن الجزائر هي مجرد قطر، ينبغي أن يذوب في الدولة الإسلامية الإخوانية العالمية.
أما على صعيد الأحزاب العلمانية الجزائرية فإن التحالف الحقيقي الذي سيـؤدي إلى تشكيل حزب معارض كبير مـؤثر مستبعد وغير وارد، لأن مجموعة كبيرة من هذه الأحزاب تمثل جـزء عضـويا من ترسانة النظـام الحاكم وستبقى تحت جناحه.
أما ما تبقى من أحزاب تلصق بها صفة العلمانية مثل حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، أو حـزب القـوى الاشتراكيـة، أو حـزب العمال وغيرها، فهي تنطلق من خليط من الأفكار والمعتقدات المتناقضة بعضها جهوي أو رأسمالي، وبعضها الآخر تسيطـر عليه نزعتـان وهما النـزعة الاشتراكية التروتسكية، والنزعة الاشتراكية الإسلامية، وهما نزعتان غارقتان في التقليدية.
وهكذا فإن التحليل الموضوعي لواقع الأحـزاب الجـزائرية يفضي، في المحصلة، إلى جملة من النتائج أهمها؛ أن هذه التحالفات لن تفتح الباب لاختفاء الكثير من الأحزاب عن طـريق اندماجها انـدماجا حقيقيا تنظيميا وعقائديا، والشيء نفسه ينطبق على الأحزاب الإسلامية المتشظية من ناحية العقيدة، أو من ناحية الانتماء التنظيمي.
بناء على هذه القراءة، فإن الوضع السيـاسي في الجـزائر سـوف يبقى في قبضة هيمنة النظام الحاكم، الذي سيحسم لعبة الانتخابات وفق خططه في الوقت المناسب.