ضاعت سورية لما تخلينا على فلسطين…
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا [1] اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [2] وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 45، 46].
يتوفر العالم العربي والإسلامي على تراث مليء بالحِكَم والأمثال والموروثات الشعبية، ولكنهم وللأسف لم يتم الاستفادة منها ؛ بل على العكس اهتموا بما هو سلبي منها في متطلبات حياتهم اليومية وضيعوا ما هو مفيد للتعليم والحفاظ على الوحدة والقوة. ولهذا اليوم الكل بنحب مصير سوريا ولكنهم نسوا أن سوريا ضاعت حينما ضيعنا القضية الفلسطينية المحتلة. ألم يذكركم ما يجري اليوم من العالم العربي والإسلامي من نكسات ودمار وهتك للاعراض وسفك للدماء بالحكاية التي قراناها في طفولتنا وهي التي كان عنوانها “اكلت يوم كما أكل الثور الأبيض» حيث يضرب هذا المثل العربي، لمن يستشعر مصيره السيئ مما رأى في مصائر غيره ممن مثله ويشبهون حالته. ولذلك فإن الواجب أن يحتاط المرء أو الجماعة أو البلد لنفسه ويتعظ بما حدث لرفيقه أو مثيله، فيأخذ حذره ولا ينتظر حتى يقع في المصير ذاته بدعوى أن تلك حالة وهو حالة أخرى فيؤمل آمالاً سراباً، لأن هذا محض غفلة.
وتذكرون كيف أن أسداً وجد قطيعاً مكوناً من ثلاثة ثيران؛ أسود وأحمر وأبيض، فأراد الهجوم عليهم فصدوه معاً وطردوه من منطقتهم.
ذهب الأسد وفكر بطريقة ليصطاد هذه الثيران، خصوصاً أنها معاً كانت الأقوى، فقرر الذهاب إلى الثورين الأحمر والأسود وقال لهما: «لا خلاف لدي معكما، وإنما أنتم أصدقائي، وأنا أريد فقط أن آكل الثور الأبيض، كي لا أموت جوعاً، أنتم تعرفون أنني أستطيع هزيمتكم لكنني لا أريدكما أنتما بل هو فقط».
فكر الثوران الأسود والأحمر كثيراً؛ ودخل الشك في نفوسهما وحب الراحة وعدم القتال فقالا: «الأسد على حق، سنسمح له بأكل الثور الأبيض». فافترس الأسد الثور الأبيض وقضى ليالي شبعان فرحاً بصيده.
ومرت الأيام، وعاد الأسد لجوعه، فعاد إليهما وحاول الهجوم فصداه معاً ومنعاه من اصطياد أحدهما. ولكنه استخدام الحيلة القديمة، فنادى الثور الأسود وقال له: «لماذا هاجمتني وأنا لم أقصد سوى الثور الأحمر؟»
قال له الأسود: «أنت قلت هذا عند أكل الثور الأبيض».
فرد الأسد: «ويحك أنت تعرف قوتي وأنني قادر على هزيمتكما معاً، لكنني لم أشأ أن أخبره بأنني لا أحبه كي لا يعارض اتفاقنا السابق».
فكر الثور الأسود قليلاً ووافق بسبب خوفه وحبه الراحة.
في اليوم التالي اصطاد الأسد الثور الأحمر وعاش ليالي جميلة جديدة وهو شبعان. مرت الأيام وعاد وجاع.
فهاجم مباشرة الثور الأسود، وعندما اقترب من قتله صرخ الثور الأسود: «أُكلت يوم أكل الثور الأبيض».
احتار الأسد فرفع يده عنه وقال له: «لماذا لم تقل الثور الأحمر، فعندما أكلته أصبحت وحيداً وليس عندما أكلت الثور الأبيض!».
فقال له الثور الأسود: «لأنني منذ ذلك الحين تنازلت عن المبدأ الذي يحمينا معاً، ومن يتنازل عن مبادئه في الأول فإنه يضيع كل حياته. وهكذا تناسينا وتخلينا عن القضية الفلسطينية وعن شعبها الاعزب وتركناهم يسبحون في دماءهم واكتفينا بالتنديد ثم استفحل العدو وتقوى لينال من عراقنا ليدمروا حضارة بابل وإحدى العواصم الإسلامية الكبرى ليدبحوا حضارة عريقة ثم استطالوا على اليمن ليفسدوا فيها ثم جاؤوا إلى سوريا ليخرجوا اهلها ويشردوا نساءها وأطفالها فإلى أين يصل مفترس هذه الحكاية وإلى أين سيؤخذه صيده، فالبارحة كانت فلسطين واليوم سوريا ومن هو ثور الغد. وهل الثيران الأقوياء مستعدون لصدمن يهاجمهم .